Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الوسطية والاعتدال تفرضان إنصاف هؤلاء

كان لقائي الأول به في مركز المؤلف أوائل سنة 1993م ، تلك الخيمة الثقافية التنويرية التي كان يجمعنا تحت ظلالها أستاذنا وصديقنا الدكتور محمد آل زلفة ، ظننت للوهلة الأولى أنه قد أخطأ العنوان ، كما تبادر إلى ذهني للوهلة الثانية أنه قد جاء مُقرعا بداعي النُّصح ، أو مُهاجما باسم الحوار والمناقشة ، لكن كل ما تخيلته قد تهاوى مع أول جلسة لي م

A A
كان لقائي الأول به في مركز المؤلف أوائل سنة 1993م ، تلك الخيمة الثقافية التنويرية التي كان يجمعنا تحت ظلالها أستاذنا وصديقنا الدكتور محمد آل زلفة ، ظننت للوهلة الأولى أنه قد أخطأ العنوان ، كما تبادر إلى ذهني للوهلة الثانية أنه قد جاء مُقرعا بداعي النُّصح ، أو مُهاجما باسم الحوار والمناقشة ، لكن كل ما تخيلته قد تهاوى مع أول جلسة لي معه ، أدركت في حينه بأن الناس مَخابر ، والشكل خداع ، ذلك أني رأيت فكرا وقَّادا تنطلق شرر أنواره يمنة ويسرة ، ليحلق بك في آفاق جديدة ضمن عوالم أسرار تراثنا التاريخي على وجه الخصوص، حرصت منذ تلك اللحظة على أن أكون جليسه الدائم ، وكان لي ذلك ، لينكشف لي طوال صحبتي له، وجه من أوجه الاضطهاد والقمع الفكري ، التي تذكرني كباحث بتلك العصور المظلمة في أوربا ، وتلك الفترات المتشنجة من تاريخنا الفكري . بدأت الحكاية حين تعرض للفصل التعسفي من جامعته التي ألِفَ جدرانها ، وتفيء تحت ظلالها طوال أربع سنوات، طالباً نجيباً مستقيماً، لكن حين مارس أبجديات قواعد التفكير بما لا يروق لبعض سَدنتها ، كان جزاؤه وخيماً ، ليكون ردعا له وعبرة لغيره كما يظنون ، حيث فُرضت عليه التوبة ، والعودة إلى رواقهم المعرفي ، ليتسنى له التخرج بسلام . تلك كانت البداية التي ألهبت مشاعره ، وأججت من لهيب وجدانه العقلي ، ليقرر اختراق نفق المعرفة بعيدا عن توجيه أولئك السدنة المحترمين ، ويكتشف فظائع معرفية ما تمكن من إخفائها بين جوانحه ، وكان له ذلك حين تبنت الزميلة الرياض عرض أرائه وبعض أبحاثه ، التي شكلت علامة مفصلية في تاريخ الكتابة الصحفية ، لكونه قد تجرأ بعلم على ملامسة التابوه ، بل وتمكن من أن يكشف زيف بعض محتوياته بمنهج علمي رصين ، أعجز مقارعيه عن مناوأته ، فما كان من بعضهم إلا أن رفع من وتيرة سخطه عليه ، ليزج به في أتون الاعتقال بتهمة الإرهاب ، غير أن ذلك لم يدم طويلا ، فحكمة ولاة الأمر ، والتماسهم العدل أساسا يستندون عليه ، قد فك من قيده ، ليخرج أكثر صلابة وتصميما على مواجهة خصومه الفكريين بالحجة والدليل ، والبحث والاستقصاء ، ظنـَّنا أنه قد واجه غاية ما يصعب عليه ، وما درى أن اضطهاده سيلامس أهله ، بتدبير أمر فصله من عمله ، ليواجه حتى هذه اللحظة ، صلف هذه الحياة برباطة جأش كبيرة ، وصبر ليس له حدود ، يسانده في ذلك فلذات أكباده إيمانا واحتسابا . إنه الباحث الشيخ حسن بن فرحان المالكي ، الذي جريرة ذنبه أنه فـَكـَّر ، فـَقـُتلَ كيف فـَكـَّر ، وليس الأمر قاصراً عليه وحسب ، بل إن قائمة المنتهكة حقوقهم تعج بالعديد من الأسماء ، كالشيخ العلامة أبو حزم عبد الرحمن الحكمي الفيفي ، الذي فصل من عمله الأكاديمي لذات السبب .بقي أن أقول بأن إرادة الوسطية والاعتدال التي أمر بها ملكنا الإنسان عبد الله بن عبد العزيز تفرض علينا أن نبدأ مجتمعا وأفرادا بإنصاف هؤلاء ، حتى يتحقق مراد الاعتدال فعلا بعيدا عن الدندنة البغيضة ، كما أجد من واجبي أن أتقدم بخالص الشكر لكل من د. علي الموسى وأ. عبد العزيز السويد ، اللذين حملا على عاتقهما حمل شعلة الحقيقة ونبراس العدل .
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store