Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

جدوى الملتقيات العلمية

يُفترض في الملتقيات العلمية أن تـُظهر الفرق بين الثقافة الصادقة والمزوّرة، بين المثقف الحقيقي والوهمي، بين العالم المنهجي المنطلق في آفاقه المعرفية من أسس علمية، والمتشبّه بالعلماء الذي يتلامس مع ظاهر

A A
يُفترض في الملتقيات العلمية أن تـُظهر الفرق بين الثقافة الصادقة والمزوّرة، بين المثقف الحقيقي والوهمي، بين العالم المنهجي المنطلق في آفاقه المعرفية من أسس علمية، والمتشبّه بالعلماء الذي يتلامس مع ظاهر الأشياء دون أن تعني الدخول في عمق الأفكار المطروحة ودلالاتها المعرفية.
كما يفترض في تلك الملتقيات أن تُؤسِّس لبناء معرفي جاد، وتُوثِّق علائق المعرفة بين مختلف الباحثين، وتكون بمثابة المختبر العلمي الذي تنطلق من داخل أروقته كثير من الأفكار الرئيسة، وتتم من خلاله مناقشة العديد من الفرضيات العلمية، التي من شأنها أن تُؤسِّس لنظريات منهجية مُتفرِّدة في سياقات مجتمعنا المعرفي.
ذلك هو هدف الملتقيات العلمية المتخصصة من وجهة نظري، وأُجزم أن كثيرًا من العارفين يتّفقون معي في ذلك، لكن السؤال هو: هل ما يجري الآن يُحقق المراد؟ بمعنى، هل أسست تلك الملتقيات لاسيما في جانب العلوم الإنسانية في الوقت الراهن، عبر ما يُقدَّم فيها من بحوث وأوراق عمل متنوعة، لمنهج رؤيوي وفكري خاص؟ هل انبثق عنها أفكار رئيسة تُؤسِّس لبناء مدارس فكرية متميّزة؟!
في تصوري أن الإجابة ستكون بالنفي عند كثير من النخبة المثقفة الواعية، التي باتت زاهدة في حضور عديد من تلك الملتقيات، وإن حضرت، فيحدوها الأمل لأن تصغي لفكرة وقَّادة، أو رأي مُتفرِّد، أو تساؤل يُثير شيئًا من قلقها المعرفي، لتشحذ أسنة ذهنها بحثًا عن مفاتيح إجابة تفتح تساؤلاً آخر، إيمانًا منها بأن غاية النضج المعرفي كامن في قدرة المرء على استنطاق الأسئلة من رحم الإجابات، وإثارة علائق السؤال اللامفكر فيه في وجداننا الثقافي.
على أن كل ذلك يظل حلمًا يرجو المثقفون الواعون تحقيقه، ولن يتأتّى ذلك ابتداءً إلاَّ من خلال فرض معايير علمية دقيقة لقبول الأبحاث وأوراق العمل المُقدَّمة، بحيثُ لا يُقبل منها إلاّ ما حوى في طيّاته شيئًا جديدًا، أو فكرة علمية وقَّادة، أو فرضية منهجية تُؤسِّس بتساؤلاتها ودلالاتها لأفكار علميّة أخرى، على شرط ألا تزيد عدد الأبحاث المُقدَّمة في كل ملتقى عن عشرة أبحاث في حدّها الأقصى، ليتسنَّى للمشاركين مناقشتها، وتحليل مقاصدها، وبيان أوجه الإيجاب والسلب فيها، وذلك لعمري هو غاية ما يصبو إليه العارفون، وهدف كل المؤسسات العلمية التي تحمل بين جنباتها همًّا نهضويًّا وتنشد بلوغه.
بقي أن أشير إلى أن الجاري حاليًّا لا يمتُّ إلى ما سبق بشيءٍ كبيرٍ، حيث يتم عرض الكثير من الأبحاث السردية المتردية، كما يتم حشر كل جلسة بجملة من تلك الأوراق بما يقارب الخمسة بحوث في زمن يصل مداه إلى حدود الساعة والنصف تقريبًا، فهل من جدوى وفائدة لتلك الملتقيات وفقًا لذلك؟!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store