Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

النووي مقابل الغذاء!

«التاريخ لا يعيد نفسه لكن الحمقى يكررون أخطاءهم»، تصلح هذه العبارة عنواناً للمشهد الإقليمي الراهن، وليست حالة الفوران التي تجتاح المنطقة سوى احتجاج غاضب بتحطيم الباب بعدما فشلت ذات المفاتيح القديمة في

A A
«التاريخ لا يعيد نفسه لكن الحمقى يكررون أخطاءهم»، تصلح هذه العبارة عنواناً للمشهد الإقليمي الراهن، وليست حالة الفوران التي تجتاح المنطقة سوى احتجاج غاضب بتحطيم الباب بعدما فشلت ذات المفاتيح القديمة في معالجته وفتحه.
قبل سنوات حاول صدام حسين تحطيم الأبواب بعدما ألقى بالمفاتيح في مياه الخليج، وزج بالعراق الغني الى أتون مواجهات غير محسوبة وباتجاه مقاصد غير منطقية، انتهت به إلى رهن نفط العراق صاحب ثاني أضخم احتياطي نفطي في العالم آنذاك، لحساب برنامج غربي حمل عنوان «النفط مقابل الغذاء».
واليوم وبعد الاتفاق النووي في جنيف بين ايران ومجموعة الدول الست ( الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن + ألمانيا)، تدخل إيران عصر «النووي مقابل الغذاء»، بمقتضى اتفاق مرحلي تحصل بموجبه طهران على حوالي 6% من «أموالها» المجمدة في بنوك الغرب، في شكل أدوية وفرص علاج بالخارج لذوي الحالات المستعصية على العلاج بالداخل، وتمويل لنفقات تعليم بعض مبتعثيها في الخارج، وبعض قطع الغيار (الفرنسية) لمصانع سيارات رينو وبيجو في ايران، وبعض قطع الغيار (الامريكية) لطائرات بوينج عتيقة الطراز لدى طهران، أي أن جانباً كبيراً من السبعة مليارات دولار التي سيتم الافراج عنها لصالح ايران بموجب الاتفاق النووي المرحلي، سوف تحصل عليها شركات وجامعات ومستشفيات تابعة للدول الست الموقعة على الاتفاق ذاته.
تسويق الاتفاق في طهران باعتباره انتصاراً لإرادة الشعب الإيراني، يهدف في الحقيقة إلى تعزيز صورة النظام في الداخل من جهة، وكذلك إلى تسويق صورة إيران القوية لدى جيرانها في المنطقة من جهة أخرى، لكن التسريبات اللاحقة لمضامين الاتفاق والرصد الدقيق لآثاره ونتائجه، قد يفضيان إلى نتائج مغايرة.
ما سبق ليس تهويناً من شأن اتفاق نووي، أثار قلق أصدقاء واشنطن وحلفائها في المنطقة، لكنه محاولة لتصويب الرؤية، وضبط الموقف تبعاً للحقائق، وليس انسياقاً وراء مشاعر غضب أو استياء أو قلق.
ما انكشف في أعقاب الإعلان عن الاتفاق في جنيف، بشأن مفاوضات سرية بين واشنطن وطهران، استضافتها سلطنة عمان على مدى الأشهر الأخيرة حتى قبل تولي حسن روحاني مقاليد الرئاسة الإيرانية، هو ما ينبغي أن يثير التساؤلات والمخاوف، وربما حتى يقدم تفسيراً - منقوصاً أو مؤقتاً بالطبع- لسياسات أمريكية، رآها البعض «ساذجة» في العراق، قادت في التحليل الأخير إلى تمكين طهران من مفاصل العراق، الذي انسحب الأمريكيون منه بعد حرب انتهت بنقل السلطة فيه من قبضة السنة إلى قبضة الشيعة، تحت شعار تمكين الأغلبية عبر الصندوق الانتخابي.
المشهد ذاته يوشك أن يتكرر في سوريا التي تشهد حرباً»طائفية في جوهرها» وان كانت تدور تحت عناوين أخرى أقل دقة، وباتفاق إيران وواشنطن بشأن برنامج طهران النووي، فإن ثمة من يتوقع أن يجري تحميل الصفقة النووية ببعض المصالح الطائفية، ما يعني أن طهران التي تقاتل الى جانب بشار الأسد، قد تخرج بمكاسب طائفية من صفقة سورية يجري طبخها الآن خارج «جنيف 2» الذي لم يبدأ بعد.
قبل أكثر من ثماني سنوات حذر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مما أسماه وقتها «الهلال الشيعي»،وبعد ثماني سنوات من تحذيراته يبدو هذا الهلال الشيعي قيد التأسيس، فيما تضع طهران يدها على العراق وتمد قدماً في سوريا وأخرى في لبنان.
هذا الهلال الشيعي ذاته، يبدو في ضوء تطورات متسارعة وكأنما بات ضمن التصور الأمريكي للشرق الأوسط الجديد، وطبقاً للباحث سونور كاجابتاي رئيس وحدة الدراسات التركية بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى فإن انقرة تخشى قيام واشنطن بتسليم مناطق الشيعة في سوريا لإيران ضمن تصور ربما استهدف تهيئة المنطقة لصراع طائفي طويل،ويقول كاجبتاي إن مخاوف تركيا التي اعتمدت طويلاً مثلها مثل اليابان على مظلة الحماية الأمريكية، اندفعت تحت وطأة مخاوفها الأمنية باتجاه إبرام صفقة لأنظمة الدفاع الجوي مع الصين، اعترضت عليها واشنطن بشدة، بدعوى انها تعرض أمن حلف الناتو للخطر باعتبار تركيا عضواً بالحلف عليه أن يعمل ضمن منظومة تسلح الناتو لا سواها.
الدرس الذي تعلمته أنقرة مؤخراً طبقا لـ كاجبتاي هو ألا تضع كل البيض في سلة واحدة، ولهذا تسعى تركيا الى البحث عن شركاء أمنيين في موسكو وبكين ، وهو أيضاً نفس ما تفعله مصر الدولة «السنية» الأكبر بالمنطقة.
رسالة اتفاق جنيف النووي فهمتها أنقرة على أنها «اعتمدوا على أنفسكم» وهى ذات الرسالة التي يتعين أن يفهمها الشركاء الكبار في النظام الإقليمي العربي وبخاصة في مصر ودول مجلس التعاون الخليجي.. خارطة الصراعات المستقبلية تتغير، ومعها خارطة التحالفات أيضاً، والتاريخ لن يستعيد لحظة سايكس بيكو في الشرق الأوسط ، ما لم تكرر دول المنطقة ذات الأخطاء مجدداً.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store