Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

فلسطين: إشكال الهوية والحضور

حين تحوّلت القضية الفلسطينية من قضية عامة، يهتم بمختلف تفاصيلها كافة شرائح الأمة وأطيافها، إلى قضية خاصة، لا يأبه بتطوّرها سوى جانب معين من مجتمعها الصغير، ولا يُشارك في صناعة قرارها إلا لفيف مُحدد من

A A
حين تحوّلت القضية الفلسطينية من قضية عامة، يهتم بمختلف تفاصيلها كافة شرائح الأمة وأطيافها، إلى قضية خاصة، لا يأبه بتطوّرها سوى جانب معين من مجتمعها الصغير، ولا يُشارك في صناعة قرارها إلا لفيف مُحدد من أهلها، حين أصبحت كذلك، تحوّل الاهتمام عنها في وجدان الكثرة الكاثرة من أبناء مجتمعنا العربي إلى قضايا ثانوية تتلامس مع الغرائز بدرجة كبيرة، كبرامج المسابقات الفنية المستنسخة من بعض البرامج الغربية، وزادت كثير من وسائل الإعلام السياسية (الدولية والعربية) بما تُقدِّمه من سياق إعلامي رتيب من ذلك الانسلاخ المشوّه، لتفقد القضية الأم آخر ما كانت تراهن عليه في ثبات موقعها ضمن وجدان وعقل العرب بوجه عام.
على أن الأمر يزداد سوءا حين تشاهد مثقفا فلسطينيا ينساق صوب سياقات فكرية وسياسية تحقق مراد الآخر الإسرائيلي. ويظهر ذلك في طبيعة تعاطيه لموضوع الهوية مثلا، إذ ترى عديداً من القيادات الفكرية والسياسية منصرفة للتنظير في دقائق صفات الشخصية الوطنية الفلسطينية، بمنأى عن مرجعيتها العربية، وهو ما يرغب الإسرائيلي في تكريسه واقعا. إذ بالنسبة له التعامل مع هوية مبتورة، أفضل من التعامل مع هوية متجذرة في جذع شجرة كبيرة واسعة.
وواقع الحال فإن كان الإسرائيلي قد نجح سياسيا في فصل الغصن الفلسطيني عن سياقاته العربية، فخطير جداً أن يتمكن من بتر الهوية الفلسطينية عن عمقها الاجتماعي والتاريخي، ذلك أن نجاحه في السياق السياسي محكوم بقوانين الحتمية الواقعية، التي تتغير بتغيُّر الظرف السياسي والاقتصادي. لكن نجاحه في السياق التاريخي سيقضي على أصل الفكرة من منبتها، أو على الأقل سيجعل صاحبها مُنبتا ضعيفا لا يقوى على مقاومة أي ضغط يواجهه، فيكون مصيره مصير كل نبتة خضراء مزهرة تـُفصل من جذعها وتـُرمى في العراء، أتقوى على مقاومة حتمية الواقع المعاش؟!
ذلك هو مراد الإسرائيلي، وأظنه قد بلغ أفاقاً كبيرة من رؤيته، بل وتحققت كثير من أهدافه التي رسمها لعدوّه المجتمع العربي، ولم يكتفِ بالتخطيط وفق منظور استراتيجي واسع، تشارك فيه مؤسسات غربية وعربية لتعزيز استقلال الهوية الوطنية الفلسطينية في إطار سلبي، بل بات يجني ثمار ما زرعه من بذور حرب طائفية، وصراع مناطقي، وخلاف عرقي، على الصعيد الإعلامي والثقافي في محيط ساحتنا العربية.
والسؤال: أما من وعي يوقف حالة التدهور المُعاشة؟! في قناعتي فإن أفضل حل لذلك يكمن في تكريس استمرارية حالة النقاش الواعي، والحوار المنطقي المفتوح، وفتح الباب لنقد الذات بنيويا وفكريا، والتعاطي إعلاميا وثقافيا مع القضية بشكل مختلف ونشط، من أجل إعادتها واقعاً ووجداناً إلى حيث يجب أن تكون. وهو ما قام به المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية بقطر في مؤتمره القريب، فشكرا له.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store