Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

كارثة اليمن وخلاف التضاد

تُمثِّل كارثة المجزرة البشعة بالمستشفى العسكري باليمن، التي نفّذها مجموعة من المتشددين المنتمين لتنظيم القاعدة، نموذجًا حقيقيّا للآثار الوخيمة التي يمكن أن تنتج عن فهم خاطئ لطبيعة الخلاف مع الآخر المس

A A
تُمثِّل كارثة المجزرة البشعة بالمستشفى العسكري باليمن، التي نفّذها مجموعة من المتشددين المنتمين لتنظيم القاعدة، نموذجًا حقيقيّا للآثار الوخيمة التي يمكن أن تنتج عن فهم خاطئ لطبيعة الخلاف مع الآخر المسلم تحديدًا، المختلف مذهبًا وفكرًا، حيث قسم الأصوليون في هذا الإطار نمط الخلاف إلى قسمين: أولهما يُسمَّى خلاف التنوع، وهو خلاف إثرائي إيجابي، يقوم على مبدأ الخطأ والصواب، وينبني عليه زيادة أجر أو نقصه. أما النمط الثاني فهو خلاف التضاد، وينطلق من مفهوم الولاء والبراء، وبالتالي ينبني عليه حكم بالجنة أو النار، وهو ما ينتج عنه بشكل دائم ردة فعل سلبية صادمة مدمرة إزاء الآخر المختلف، تؤدي إلى ما شاهده العالم في مناظر القتل الوحشي التي ارتكبها بقلب بارد أتباع تنظيم القاعدة في اليمن.
في خلاف التنوع الذي جاءت به شريعتنا السمحة، ومارسه الخلفاء الراشدون تطبيقا، وانطلق منه كل أئمة العلم الربانيين، يتعزز التسامح بين الأفراد والجماعات، وتقوى مسائل التدبر بين المتحاورين، وينمو الاجتهاد الخلاق، الذي يهدف إلى بلوغ أحسن الفهم للمقاصد الربانية الجليلة. ويمكن استجلاء ملامح ذلك من أقوال عديد من أئمة العلم، حيث نظر أئمة آل البيت إلى المسألة من هذا الجانب وقالوا: «إن كل مجتهد مصيب»، وهذا يعني فتح الباب لنسبية الحقيقة على اعتبار أن الحق واحد والطريق إليه متعدد، والأمر ذاته أكده الإمام أبوحنيفة حين قال: «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب»، وعززه مُجايله الإمام مالك بقوله: «كل منا يؤخذ ويرد عليه إلا صاحب هذا المقام»، ويقصد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وجاء الإمام الشافعي لينطلق في حواره مع الآخر المختلف من مدلول الفهم الإيجابي حين قال: «ما جادلت أحد إلا وخلت أن الحق معه»، إلى غير ذلك من الأقوال الدالة على الوسطية وقبول الآخر.
أما خلاف التضاد فيؤدي إلى الإقصاء، بل وإلى ارتكاب أبشع الجرائم، حيث ينظر المنطلقون منه إلى كثير من المسائل الفقهية المختلف حولها من زاوية حدِّية، مفادها أن الطريق لبلوغ الحقيقة الربانية واحدة، وأن سبيلها يتمثل فيما يؤمنون به من أفهام ورؤى، وما هؤلاء الذين مارسوا القتل العبثي في اليمن إلا امتداد لأولئك الذين قتلوا خباب بن الأرت وبقروا بطن زوجه، اعتقادًا منهم أنهم يتقرّبون إلى الله، والله من فعلهم بريء. وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قال: «يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وأعمالكم مع أعمالهم، يقرأون القرآن ولا يُجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية».
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store