Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

هل تغيرت الصداقة الحقة ؟!

و تمضي بالناس مسيرة الحياة عبر دروب الأيام تتقلب بحلوها و مرها بين هذا وذاك ... يوم لك ويوم عليك.

A A
و تمضي بالناس مسيرة الحياة عبر دروب الأيام تتقلب بحلوها و مرها بين هذا وذاك ... يوم لك ويوم عليك. و لكن من الأمور التي تساعد المرء على خوض غمار الحياة بأعبائها و مسؤولياتها وجود الصديق الصدوق الذي يتصف بصفات أخلاقية عالية لعل من أهمها الصلاح و الوفاء و الصدق و قديماً قيل "صديقك من صدَقك لا من صدّقك " يذكرك إذا نسيت و يعينك إذا تذكرت يكون حيثما احتجته ... تكشف له عن مكنونة نفسك فتجد فيه القرار لسرك والاستشارة لأمرك .. فهل هذه الصفات ما زال يتحلى بها صديق هذه الأيام ؟! أم نحن نعيش عصر المتغيرات والبدائل والمتناقضات حتى الصداقة أتى عليها زمن فتغيرت ؟! .
الكثير من الناس عندما يجيء الحديث عن الصداقة تجدهم يتباكون على صداقة هذه الأيام و يزعمون أن الصداقة أضحت مفهوماً هشاً تغلفه الضبابية و تكتنفه الهلامية ليشكلها كل حسب رغبته أو رغباته و يقلبها على حسب أهوائه فأمست صداقة مصلحة و أغراض لها غاية و أهواء و لكن الذي يبدو أن الناس في أعقاب الزمان رجعوا القهقرى ... رجعوا إلى المصالح وغلب عليهم الأهواء و الإغواء في اختيار الأصدقاء ... تناسى الجميع أن الصداقة الحقة هي هي لم تتغير و أن الذي تغير هي الأنفس التي اكتنفتها الماديات غاصت في خضم المصالح و الشهوات وأصبح كل إلهه هواه ... لكن الصداقة التي تبنى على الحق و الخير وترقى إلى مستوى الأخوة و خاصة الاخوة في الله عز وجل باقية لا تزول آثارها ولا تنفصم عراها تسطع شمسها وتضيء أنوارها على حياة أصحابها وهذه الصداقة هي الباقية بلا زوال الدائمة بلا انفصال مصداق ذلك قول الحق سبحانه وتعالى ( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ) "سورة الزخرف، الآية 67" أي الأصدقاء و الأحباب يوم القيامة يصبحون أعداء إلا من كانت صداقته ومحبته خالصة لوجه الله جل وعلا .. قال ابن كثير" كل خلة وصداقة لغير الله فإنها تنقلب عداوة إلا ما كان لله عز وجل فإنه دائم بدوامه " "مختصر تفسير بن كثير 3/295" .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما " صارت كل خلة في الدنيا عداوة يوم القيامة إلا المتقين تشريفاً و تطييباً لقلوبهم فيقول : يا عبادي المؤمنين الذين تحققتم في العبودية لرب العالمين لا خوف عليكم و لا أنتم تحزنون على ما فاتكم من الدنيا " ... يعيشون في اخوة شد رب العزة والجلال بنيانها و جعلها صلة فوق كل صلة ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) "سورة الحجرات ، الآية 10" يؤثرون على أنفسهم ويتعايشون في مجتمع رشيد سعيد ... يعيشون في ظلال الرحمة ( رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) ... دينهم التسامح والتجافي عن الأنانية و الأثرة .. شعارهم حب لأخيك ما تحب لنفسك متمثلين قول الهادي البشير صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث الشريف عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( لا يُؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) "رواه البخاري" و يؤثر عن أحد سلفنا الصالح قوله رضي الله عنه "لعل من أهم ما يعين على أمور الدين و الدنيا مجالسة أقوام صالحين يتخيرون أطايب الكلام كما تنتقي أطايب التمر " .
و بعد فهذه ومضات مضيئة فيها الدواء لمن أراد اختيار الأصدقاء و فيها الطريق لمن أراد اتخاذ صديق في زمن كثرت فيه المصالح و ندر الوفاء و سادت الاهواء .
و الله من وراء القصد .
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store