Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

تحية لشباب جدة شباب الفزعة

هذه الأخلاق الحميدة التي أفرزتها كارثة جدة، جعلتنا نشعر ان الدنيا ما زالت بخير وبألف خير، وان علينا ان نعيد تقييمنا لشبابنا فبذور الخير خصبة في دواخلهم، تنتظر من يرويها وينميها..

A A
هذه الأخلاق الحميدة التي أفرزتها كارثة جدة، جعلتنا نشعر ان الدنيا ما زالت بخير وبألف خير، وان علينا ان نعيد تقييمنا لشبابنا فبذور الخير خصبة في دواخلهم، تنتظر من يرويها وينميها..صدق من قال: (عند الشدائد يعرف الاخوان)، وأنا أقول عند الشدائد يعرف أصحاب المعدن الأصيل، والجوهر النفيس، عند المصائب تنجلي شهامة الرجال، وتظهر الروح الوطنية الحقة.هذا ما رأيناه ماثلا في شباب وشابات جدة، وفي أمهات جدة ورجالات جدة> واني لأخص بمقالي هذا فئة الشباب ذكورا واناثا من أصحاب الشعر الحليق، والثوب المرتفع، والذقن المطلقة، وأصحاب الشعر الطويل المسترسل أو المنفوش، والبنطال بمختلف أشكاله وألوانه فقد رسموا جميعهم صورة بطولية وحميمية للإنسان الواعي، الإنسان الشهم، محققين بذلك قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (خير الناس رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله كلما سمع هيعة (صيحة) طار إليها) فهم بمجرد سماعهم صرخات الأطفال، ونواح الثكالى، وعويل الأرامل، حتى هبوا من ملذاتهم، ولفظوها، ورموا بأرواحهم في قلب الحدث.صورة مشرقة ومشرفة لأبناء وأهالي جدة، تمثلها تلك الحملات التطوعية الواعية التي قامت بها اللجان والجمعيات الخيرية المتعددة أمثال: لجنة أصدقاء جدة، وحملة تكاتف للبحث عن المفقودين، ومساعدة الأسر المحتاجة تحت رعاية الإدارة العامة للتربية والتعليم بجدة وحملات الجمعية الفيصلية الخيرية النسوية بجدة، والغرفة التجارية الصناعية، والجمعيات الخيرية التخصصية الأخرى.لقد رأيناهم بأم أعيننا وهم يعملون ليل نهار بلا كلل أو ملل في عمل منظم تحت مظلة حكومية راعية.رأيناهم وهم يستقبلون سيارات المتبرعين ويفرغون ما بها من مساعدات عينية في نشاط وهمة.رأيناهم وهم يبحثون عن المفقودين تحت الانقاض وفي الأودية الخطرة.رأيناهم وهم يواسون المكلومين وأصحاب الفجيعة، رأيناهم.. ورأيناهم وقد واصلوا ليلهم بنهارهم، يعملون بإخلاص ورضى، لا يريدون الا الأجر من الله عز وجل، فهنيئا لكم بان تكونوا ممن قال الله فيهم: (.. فاستبقوا الخيرات ..) البقرة 148، (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) الحج 77 وأرجو ان تنالوا أجر ذلك الرجل الذي أماط الأذى عن طريق المسلمين بنية دخول الجنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق، فقال: والله لأُنحيَّن هذا عن المسلمين لا يؤذينهم فأدخل الجنة) رواه مسلم.ذكرتني هذه المناظر بالرعيل الأول الذين كنا نسمع حكايات شهامتهم ورجولتهم، حين كان للحي حرمته، فكان شباب الحي وأهله كأنهم اخوة في النسب من شدة التلاحم والتراحم، فإذا غاب راعي البيت، وجد أهله كل أهل الحي رعاة لأسرته وعرضه، يقضون لهم حوائجهم، ويخافون على سمعتهم، ويهبون لنجدتهم في كل حال.بل عادت صورة الأشعريين الذين ضربوا كل مثل في التكافل الاجتماعي فاستحقوا فخر النبي لهم فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الأشعريين إذا أرملوا (أي فرغ زادهم أو قارب) في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في اناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم، متفق عليه.بل هم أعادوا ذكرى الأنصار الذين آخوا المهاجرين وقاسموهم أموالهم وممتلكاتهم.ما أجمل ان تعود هذه الصور الكريمة ثانية وهي تظهر أهالي جدة وكأنهم أسرة واحدة متلاحمة متراحمة.هذه الأخلاق الحميدة التي أفرزتها كارثة جدة، جعلتنا نشعر ان الدنيا ما زالت بخير وبألف خير، وان علينا ان نعيد تقييمنا لشبابنا فبذور الخير خصبة في دواخلهم، تنتظر من يرويها وينميها.حين رأيت تلك الشهامة المتدفقة شعرت كم نحن مقصرون تجاه شبابنا وكم من مرة ظلمناهم بخطابنا التربوي القاسي الذي لم يع انهم ضحايا الانفتاح السريع الذي جاءهم من الأرض والجو ومن البحر واليابسة، دون ان نعدهم الاعداد الديني والتربوي السليم لمواجهة هذا الانفتاح الذي يجتمع فيه الغث والسمين، ونحن من وضع بين أيديهم كل آليات الانفتاح، ثم جئنا نلقي عليهم باللائمة، وخطابنا الديني في مجمله لم يعد يتناسب مع هذا الانفتاح، فنحن بحاجة إلى تغيير هذا الخطاب دون تنازل عن الثوابت، وليكن التغيير في طريقة العرض وآليات الحوار مع عقليات شباب الانترنت.تحية اكبار واجلال لكل أهالي جدة الذين انتفضوا وساهموا في انقاذ اخوانهم المنكوبين.وتحية حب وتقدير من كل الآباء والأمهات والأخوات لكل شبابنا وشاباتنا الذين شاركوا في الأعمال التطوعية الخيرية لإحياء أنفاس جدة التي أرهقتها الكارثة. وتحية خاصة مفعمة بالاعجاب من الدكتورة فاتن حلواني أستاذة بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبدالعزيز التي رغبت في ان توصل تحيتها لهؤلاء الشباب لاعجابها بما رأت عيناها من أخلاق تثلج الصدر.نتمنى ان تستمر هذه الشهامة على مر الزمن، وتصبح خلقا متأصلا في جيلنا الحالى وأجيالنا القادمة فانها خلق إسلامي أصيل .
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store