Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

وثيقة من تاريخ المدينة المنورة

وثيقة من تاريخ المدينة المنورة

يسعدني ويشرفني أن يكون لي شرف المساهمة في مناسبة اختيار المدينة المنورة عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2013م بهذه المشاركة المتواضعة وإن لم تكن متواضعة في معناها ومحتواها إلا أنها قليلة في حق مدينة ر

A A

يسعدني ويشرفني أن يكون لي شرف المساهمة في مناسبة اختيار المدينة المنورة عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2013م بهذه المشاركة المتواضعة وإن لم تكن متواضعة في معناها ومحتواها إلا أنها قليلة في حق مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وليست هي المشاركة الأولى لي ولن تكون الأخيرة فيما يحتمه عليّ الواجب من القيام به كأحد أبناء هذه البلاد المتخصص في حقبة من أحقاب تاريخها وهي حقبة التاريخ الحديث والمعاصر من تاريخها المجيد.
وهذه المشاركة هي نشر وثيقة من وثائق تاريخ المدينة المنورة المتعلقة بأئمة وخطباء المسجد النبوي الشريف خلال فترة حرجة من تاريخ المدينة، ولكي أكون أكثر تحديدًا سنة 1256هـ/ 1840م؛ هذه السنة التي خرجت قوات محمد علي باشا حاكم مصر من المدن الحجازية بما فيها المدينة المنورة كما هو حال خروج كل القوات المصرية من كل أنحاء الجزيرة العربية، وعودة هذه المناطق إلى حكم الدولة العثمانية، خاصة المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة ومدينتي جدة والطائف والاكتفاء بالاعتراف الاسمي على منطقتي نجد وعسير.
وهذا الموضوع وغيره من المواضيع تناولته مفصلًا في رسالتي للدكتوراه المقدمة أصلًا لجامعة كمبريدج عام 1987م المترجمة إلى اللغة العربية والمنشورة عن طريق دار بلاد العرب عام 1434هـ/ 2013م.
ولكن مايمت بشكل مباشر إلى الوثيقة التي يسعدني نشرها مساهمة مني في عام المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية هو توضيح اهتمام وحرص الدولة العثمانية على استعادة نفوذها الكامل والمباشر على المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة وإستعادة ثقتها في تحقيق هذه الغاية من خلال إعلان أئمة وخطباء المسجد النبوي الشريف ولاءهم الكامل للسلطان العثماني، وهذه النخبة من الأئمة والخطباء يمثلون أصحاب الكلمة الفصل في إعلان الولاء والطاعة للخليفة العثماني، وهم بهذا الموقف يمثلون بقية سكان المدينة المقدسة.
ويلاحظ أن هؤلاء الخطباء والعلماء قد أشاروا إلى تأخر استلام مخصصاتهم من الصرة لعام 1256م، والتي لم يتم استلامها إلا في عام 1257هـ، وكما هو معروف أن عام 1256هـ كان عام انتقال السلطة في الحجاز من محمد علي باشا والي مصر وعودتها إلى إدارة الدولة العثمانية، ولكنها كانت سنة انتقالية صعبة بعد أن مرت الحجاز ومعها بقية الجزيرة العربية التي امتد عليها نفوذ محمد علي لمدة تزيد عن ثلاثين عامًا شهدت فيها هذه الأنحاء الكثير من الاضطرابات والحروب التي ما تكاد تهدأ حتى تبدأ مرة أخرى، يمكن معرفة تفاصيل هذه الأحداث في الرسالة العلمية المشار إليها سابقًا.
وكان محمد علي باشا طوال هذه الفترة قد حاول أن يتقرب إلى سكان المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة بما قام به من إنشاءات في هاتين المدينتين من تكايا وغيرها. وما كان يقدمه لسكانها من المساعدات المادية تعوضهم عما كانت تمدهم به الدولة العثمانية من الصرة السنوية والصدقات من الأموال التي كانت تجمع من صدقات المحسنين والمتبرعين، ثم ترسل إلى الحجاز وتوزع على سكانها وأشرافها وعلى رؤساء العشائر.
وكان يتولى توزيع هذه الصدقات من نظام الصرة إلى أصحابها السيد محمد شريف رائف بك الذي عين مديرًا للحرمين الشريفين وقائم مقام شيخ الحرم النبوي، ولعب السيد رائف دورًا كبيرًا إبان السنة الانتقالية الحرجة في إدارة شؤون الحجاز، وكان مشاركًا في إعادة هيبة الدولة العثمانية ومحاولة إضفاء القدرة عليها في إدارة منطقة تمثل أهمية قصوى في المرجعية الشرعية للحاكم العثماني بصفته خليفة المسلمين الذي بدون هذه الصفة التي لاتكتمل إلا بأن تكون سلطته راسخة ومتمكنة في حكم الحرمين الشريفين وبالحصول على دعم هذه الشرعية من خلال ولاء وطاعة ومبايعة علماء الحرمين الشريفين، خاصة المدينة المنورة التي تحظى بأهمية قصوى من قبل سلاطين الدولة العثمانية الذين كانوا يخصون من يتولى أمر هذه المدينة بأكابر رجال الدولة من صدور عظام، أو ممن تولى مشيخة الإسلام، ومن أكابر رجال الدولة، ومن المقربين للسلطان. ولكثير من هؤلاء الرجال آثار كثيرة ومهمة قاموا بها في المدينة المنورة أثناء فترة مكوثهم بها مثل المكتبات ودور العلم والأربطة والأسبلة وغيرها. وكان السلطان عبدالمجيد(1839-1861م ) وهو من عادت إدارة الحجاز إلى أيدي السلطة العثمانية في عهده، قد أولى المدينة المنورة اهتمامًا بالغًا ليس فقط في إكرام علمائها وكبار القوم فيها والتقرب إلى شيوخ القبائل بالأعطيات المجزية، بل بما قام به من توسعة في الحرم النبوي تعد من أعظم التوسعات والتحسينات التي عرفها هذا المسجد في تاريخه وما زالت هذه التوسعة تعد أنصع صفحة في تاريخ هذا السلطان وتبعتها بعد تاريخ طويل من حيث الأهمية -توسعة المسجد النبوي في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله-، ثم التوسعة الكبيرة والمذهلة في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله-، وما يتم الآن من إعداد لتوسعة جديدة لمسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز قد تكون الأكثر روعة تكمل جهود من سبقوه، فجزاهم الله جميعًا خير الجزاء.
الوثيقة ومكان حفظها
وطريقة الوصول إليها
توجد الوثيقة في أرشيف رئاسة الوزراء بإستانبول تحت رقم 2431 إرادة داخلية مسائل مهمة وتاريخها في الخامس عشر من جمادى الآخرة سنة 1257هـ، وتم الحصول عليها أثناء سنوات البحث في الأرشيف العثماني عن المصادر التاريخية لتاريخ الجزيرة العربية، والذي قمت به في هذا الأرشيف على مدى سنوات طويلة بدأت بعام 1974م واستمرت على فترات العديد من السنين تكتمل بهذا العام أربعين سنة. طوال سنوات دراستي لمرحلتي الماجستير والدكتوراه وحتى بعد عودتي من البعثة لم أنقطع سنة واحدة دون أن أمكث بعض الوقت, وبعض هذا الوقت يتجاوز الشهور في الأرشيف العثماني منقبًا وباحثًا ودارسًا للوثائق المتعلقة بتاريخ الجزيرة العربية على امتداد مساحتها الجغرافية، وقد تمكنت رغم كل الصعوبات من الحصول على كم هائل من الوثائق؛ هذه الوثيقة واحدة منها، ومنذ سنوات وأنا أعمل على تجهيز ماتم لي جمعه للنشر، وبانجازي لهذا العمل أكون قد أوفيت بوعد ضربته على نفسي بأن أجعل هذا العمل خالصًا لخدمة تاريخ وطني وخدمة للباحثين والباحثات من أبناء وبنات وطني، وكل باحث في تاريخ الجزيرة العربية الحديث والمعاصر.
نص الوثيقة
خطاب أئمة وخطباء المسجد النبوي إلى السلطان العثماني عبدالمجيد عام 1257هـ
Irada m. muhi mme
رقم 2431
الحمد لله تعالى
اللهم ياذا النعماء التي وسعت الخاص والعام والآلآ التي شملت العالم على وجه التمام والخيرات التي لم تزل تتوالى آناء الليل وأطراف النهار والحسنات التي لم تبرح على ظهور البراري وبطون البحار نسئلك بأسمائك الحسنى وباسمك العظيم الاسنى ونتوسل إليك بمن شرفتنا بجواره وخصصتنا بسكني داره سيدنا محمد الذي أنزلت عليه الكتاب المجيد ووعدت فيه الشاكر بالمزيد أن تخلد الدولة التي لم نفتأ متفيئين في ظلالها متقلبين في رياض أنعامها وأفضالها دولة مولانا السلطان الأعظم والخاقان الأفخم الأكرم المقتعد سرير السلطنة العظمى المتردي(المرتدي) برداء الخلافه التي لا أسنى منها ولا أسمى الباذل جهده في الشفقة والنصيحة لصادق همته في جلب المنافع بعزمة قوية ونية صحيحة المعمل نظره العالي فيما ينفع البلاد والعباد المتخذ صهوات الخيل بدلًا عن وطئ المهاد خادم الحرمين الشريفين سلطان الروم واليمن والعراقين السلطان ابن السلطان ابن السلطان الملك المظفر المنصور المعان.
لازالت السعود خادمة لركابه وملائكة السعد حافة بجنابه آمين آمين بجاه سيدنا محمد الأمين
واله وصحبه أجمعين أما بعد فان الواضعين خطوطهم بهذا الرقيم من الخطباء والعلماء والأئمة والمدرسين ووجوه أهالي بلدة سيد المرسلين ينهون إلى الأسماع الشريفة ويبدون إلى المعلوم المنيفة حمد الله تعالى وشكره على ما أولاه من النعم وشكر إحسانكم العميم المخجل بفيضه المناهل والديم الواصل لجيران النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- صحبه الدستور المكرم والمشير المفخم والهزبر الضيغم مولانا السيد الحاج علي باشا شيخ الحرم الشريف النبوي القائم بحقوق المقام المصطفوي، فقد وصل الينا المذكور يوم ثلاث من جمادي الآخرة وأوصل الينا في عامنا هذا هو عام سبعة وخمسين ومائتين والف ماتفضلتم به علينا من الصرة السنية والماهيات والوظائف والسنويات الجديدة و مكاتيب الفراشات البهية وذلك عن واجب سنة ست وخمسين بعد الألف والمأتين من هجرة من له كمال العز والشرف وتسلم جميع ذلك مولانا محب جيران الرسول صفوة الصفوة من أبناء السيدة البتول مولانا السيد محمد شريف رائف بيك مدير الحرمين الشريفين وقائم مقام شيخ حرم سيد الثقلين فاوصل المذكور جميع الأمانات إلى أهلها وأبلغها مع الديانة والأمانة إلى محلها جزاه الله أفضل الجزاء وأناله من فضله الحظ الوافر الأجزا فعند ذلك حصل للخاص والعام كمال الفرح والمسرة والسرور وملئت القلوب بالمسرات والحبور ورفع الكل أكف الضراعه والدعاء بالجنان واللسان معًا تجاه قبر سيد الشفعاء مولانا السلطان عبدالمجيد خان نصره الرحمن بدوام دولتكم العلية على الدوام وبقائها على ممر الدهور والليالي والأيام لابرحت مستمده من نفحات هذه الحجرة المعطرة بجنود الظفر والنصر مؤيدة من صاحب الروضة المعظمة بأشرف الفتوحات في البر والبحر ولازالت ملحوظة بعين عناية الملك الستار محفوظة ببركة دعاء الجيران والزوار مقلدة الأعناق مننا مدخرة بايائها عند الله أجرًا حسنًا ولا أنفك ملكها دائم التمكين بالآيات والذكر المبين محروسًا ببركات سيدنا المرسلين صلى الله عليه وعلى اله واصحابه وانصاره وأحزابه أجمعين أمين أمين حرر سنة 1257 سبع وخمسين ومأتين والف لخمسة عشر خلون من جمادى الآخرة من الهجرة الشريفة على صاحبها أفضل التحية المنيفة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store