Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الإدارة بالتواضع.. هل تكون منهاجًا؟!

تختلف أنماط الإدارة ومفاهيمها، وهو علم قائم بذاته، وقد انتشرت في الآفاق كليات الإدارة والمعاهد المتخصصة، وذلك لأهميتها كعنصر يعتبر الأهم في منظومة الإنتاج النوعي والكمي لأي منشأة أو جهة على اختلاف تصن

A A
تختلف أنماط الإدارة ومفاهيمها، وهو علم قائم بذاته، وقد انتشرت في الآفاق كليات الإدارة والمعاهد المتخصصة، وذلك لأهميتها كعنصر يعتبر الأهم في منظومة الإنتاج النوعي والكمي لأي منشأة أو جهة على اختلاف تصنيفها ومرجعيتها.
وكل تلك الأنماط تهدف إلى الارتقاء بالعمل وتطويره، بحيث يصل إلى أعلى درجات الإتقان الممكنة، وحينها يتم الحكم على تلك الإدارة بالنجاح أو الفشل.
وقد ظهر مؤخرًا نمط إداري جديد، أكاد أجزم أنه لم يدرجه المتخصصون في أنماط الإدارة التي تُؤخذ كنماذج يتم اتباعها، والعمل وفق سياساتها وصورها، وبالتالي هو لا يُدرّس للطلاب في الجامعات، مع ما تحقق له من نجاحات قادت إلى الرقي وأدت إلى التقدم في أي جهة يتم تطبيقه فيها، وما أعنيه هنا هو «الإدارة بالتواضع والود».
ولحفظ الحقوق، فإن هذه التسمية قد أطلقها عضو مجلس الشورى الصديق الأستاذ يوسف عبدالستار الميمني في حفل التكريم الذي أقامه أهالي المدينة المنورة مؤخرًا لمعالي الأستاذ الدكتور محمد بن علي العقلا مدير الجامعة الإسلامية السابق، وكان موفقًا إلى أبعد الدرجات في كلمته؛ فالإدارة بالتواضع والود كانت مثمرة جدًا، بدليل ما تحقق من إنجازات لا يمكن إنكارها، بل كانت محل الثناء والتقدير من الأهالي قبل منسوبي الجامعة، الذين ربما تكون شهادتهم مجروحة في مديرهم.
والمتأمل يجد أن مثل هذا النمط من الإدارة يشيع أجواء من التواد بين العاملين في الجهة، بحيث يعملون بروح الفريق الواحد، في تنافسية محمودة تعود إيجابًا على الكيان، لأنه بات محل عناية الجميع، فكانت حظوظ النفس في غيبوبة شتوية بل ربما اضمحلت إلى درجة الذوبان.
كما أن التواضع عندما يكون سجية وليست تكلفًا يعطي إيحاءً بالأخوّة، فلا يشعر المتعاملون بوجود فجوة أو تنافر، لأن التعامل مع الجميع على مسافة واحدة يمنح الجميع انطباعًا بالمساواة، وهي ما ستؤدي إلى الاقتداء ليكون الجميع على خط واحد يعملون بنفسية يشوبها الارتياح، فيكون حينئذ العطاء المرجو، بل ربما يفوق ذلك؛ حيث تلاشت الفوارق بين الرئيس والمرؤوس، فتجد الأجواء في تلك الجهة تغشاها السكينة والمحبة، فالأنس حاضر وبقوة، والوجوه العابسة ولّت إلى غير رجعة.
إن مناشدة المتخصصين في علم الإدارة أن يدْرسوا ويدرّسوا هذا النمط من الأنماط الإدارية مرده إلى ما يوجه به ديننا الحنيف؛ فالتعاليم الإسلامية تشدد على ذلك، ونبي الرحمة كان مضرب المثل في الإدارة بالتواضع والود، فكان لا يعرف الكِبر مطلقا، وحاشاه صلى الله عليه وسلم وهو القائل: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر»، وكان لا يجلس وصحابته يعملون، فمرة يقوم عليه السلام بجمع الحطب، وتارة يضرب الحجر بيديه الشريفتين، ويدخل السرور على من حوله بالمبشرات حتى في وقت الأزمات.
والمرجو أن ينال هذا النمط الإداري حظّه من العناية والاهتمام، بحيث يقوم أساتذة الجامعات بإدراجه كمنهج يُدرّس وعلى عدة مستويات، والأمل أن يرتقي بعد ذلك ليكون قسمًا من أقسام الإدارة بشكل عام.
ويا حبذا لو تم نشره للعالم أجمع؛ ليعلم الجميع أن الدين الإسلامي قد سبقهم إلى أنماط إدارية ناجحة، منبعها تعاليمه السمحة، ومصدرها الأخلاق الرفيعة التي جاء بها، ولنثبت أن ديننا لم يترك شاردة ولا واردة إلا كان سباقًا لإيراد أكمل صفاتها وأعلى درجاتها، لتتأكد حينئذ مقولة: إن هذا الدين صالح لكل مناحي الحياة، وبالتالي فهو الدين الأقوم والمناسب لكل زمان ومكان.
وختاما.. فإن الإدارة بالتواضع والود، يرجى أن تكون ديدنًا لجميع المديرين ومن في حكمهم من المسؤولين، وأن تتلاشى تلك المظاهر التي يحيط بها البعض نفسه، وأن ينأوا بأنفسهم عن تلك الدوائر التي تعيق الوصول إليهم، فالمليك عند إعلان الميزانية يوم الاثنين الماضي قال موجهًا الوزراء: «أرجوكم قابلوا شعبكم كبيرهم وصغيرهم كأنّهم أنا»، وبعد هذا التوجيه الموجز والكلام الضافي من الوالد القائد، والذي يُعدُّ رمزًا من رموز القيادة بالتواضع والود -أيّده الله- بات لزامًا فتح الأبواب على مصراعيها، وإلغاء كافة الحواجز للوصول إلى الوزراء -ولا شك أن من دونهم من السفراء والمديرين والمسؤولين هم من باب أولى-، وبودي لو رفع جميع المسؤولين في بلادنا شعارًا رائدًا عنوانه: (إدارة بالتواضع والود).
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store