Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

عام البراءة من الأوهام

بعد أيام فقط نطوي عاماً ميلادياً ونستقبل عاماً آخر، فيما تتراجع تطلعات البسطاء في بعض دول المنطقة بشدة، لتصبح لدى البعض أملاً شاحباً في مجرد الاحتفاظ بالرؤوس فوق الأعناق، أما الأكثر طموحاً فقد يأملون

A A
بعد أيام فقط نطوي عاماً ميلادياً ونستقبل عاماً آخر، فيما تتراجع تطلعات البسطاء في بعض دول المنطقة بشدة، لتصبح لدى البعض أملاً شاحباً في مجرد الاحتفاظ بالرؤوس فوق الأعناق، أما الأكثر طموحاً فقد يأملون في الاستمتاع بالسييء قبل أن يأتي الأسوأ.
لست متشائماً .. ولا ينبغي لي، لكن مقتضيات اللحظة وموجباتها تقتضي من الجميع أن يبرأوا من الأوهام، وأن يعودوا لمراجعة أبسط مبادىء الحساب إذا ما أرادوا فحسب «لجم التدهور» وكبح سرعة الانزلاق.
على مدار العام 2013 استمرت حالة «السيولة» في الوضع الإقليمي العربي، في مصر وسوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان وتونس، فيما لاح أن الجزائر ربما كانت على مشارف أزمة خلافة، وبينما يتواصل الانكفاء العربي على الذات في كل قطر عربي، كانت إيران تقترب من وضع نهاية لخلاف طويل مع الغرب حول برنامجها النووي، فيما بدا الغرب مستعداً لمقايضة تخلي طهران عن حيازة القنبلة مقابل الإقرار بدور إقليمي لها في المنطقة، على حساب العرب.
استمرار حالة السيولة في الوضع العربي العام على مدى السنوات الثلاث الماضية، ينذر بمخاطر كبيرة،تهدد صميم الوجود العربي لأول مرة منذ قرابة مائة عام، والتصدي لتلك المخاطر يقتضي أولاً الوعي بها ، لكن اللحظة فيما يبدو تغلب عليها أجواء التثوير لا التنوير، فيما أمكن استدراج شريحة لا بأس بها من الشارع العربي، إلى منطقة استدعاء الماضي للتعامل مع استحقاقات المستقبل.
حتى الآن، وبينما يطرق العام الجديد 2014 أبواب المنطقة، لا يبدو أن ثمة نهاية حقيقية لحالة السيولة التي ضربت الإقليم، ما قد يجعل العام المقبل ساحة زمنية ممتدة لصراع غير محسوم، ترتفع كلفته كلما طالت مدته.
المخاض الذي تعاني منه المنطقة على مدى قرابة ربع قرن، منذ نهاية الحرب العراقية الإيرانية قرب نهاية الثمانينيات،متزامنة تقريباً مع نهاية الحرب الأهلية اللبنانية باتفاق الطائف، ظل يحمل في مجمله، خليطاً من تطلعات أغلبها مشروع، لشعوب كانت تطمح الى استكمال ملامح «الدولة الحديثة» التي لم تكتمل، لكن عواراً ثقافياً وفكرياً خلط ما هو دين بما هو دنيا، والتبس عليه ما هو مذهبي بما هو سياسي، وما هى مقتضيات تطور بما هو ضرورات تحول، كل ذلك قاد المنطقة الى أتون ثورات ، أعماها الغضب عن رؤية خارطة حقيقية لمستقبل حقيقي، وتحولت معه رحلة البحث عن الدولة الحديثة في مطلع الألفية الثالثة، الى رحلة اختطف دعاة التيار الديني ركابها في حافلة مجنونة بلا سائق رشيد تتحرك سريعا باتجاه الماضي ، بعدما وعدوهم بمدينة قالوا لهم أنها فاضلة.
عنوان المأزق الإقليمي في العام الجديد «أمني» في الغالب، والخروج منه « ثقافي» و» فكري» بالأساس، يبدأ بالإنسان وينتهي عنده،لكنه يقتضي وقتاً لإعادة تأهيل الإنسان العربي لاستحقاقاته،فهل لدى شعوب المنطقة فسحة زمن من أجل استثمار صحيح للوقت، أم أن لحظة التنوير ما تزال بعيدة، وإمكانية الخروج من المأزق ما تزال عصية؟!
في تقديري أن طبيعة المخاطر «الوجودية»، تستطيع بذاتها استنفار طاقات أمة لا تريد أن تخرج من التاريخ، وتملك بالفعل مؤهلات روحية ومادية وإنسانية للتأثير في حركته وتصحيح مساره إن هي أرادت ذلك.
الخروج من حالة السيولة الإقليمية، إلى حال الصلابة والتعافي، سيظل الى درجة كبيرة خلال العام المقبل، رهناً بما يمكن أن تنجزه مصر في خارطة المستقبل، التي تبنتها بعد الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين- التي جرى تصنيفها قبل ساعات كجماعة إرهابية- فالمشروع الإخواني الذي ضرب دولاً تضم أكثر من نصف سكان العالم العربي، وأدخل المنطقة برمتها في صراع بين قوى الماضي وبين من يتطلعون الى مكان مستحق في المستقبل، قد تلقى في مصر ضربة موجعة، تتوقف نتائجها البعيدة على ما يمكن أن يحققه المصريون بشأن خارطتهم للمستقبل، التي تبدأ أهم استحقاقاتها بالاستفتاء على تعديلات دستورية واسعة بعد أسبوعين فقط من بداية العام الجديد (المقبل).
نجاح المصريين في تمرير دستورهم بأغلبية مريحة وفي سلام، سوف يضع بلادهم على أعتاب مرحلة جديدة تماماً، كما سيتيح فرصا هائلة لتحجيم نفوذ قوى الإسلام السياسي في دول اعتلى الإسلاميون فيها موجات التغيير، لكن ذلك لن يعني بالضرورة نهاية طريق الآلام في مصر والعالم العربي، وإنما يتحقق ذلك فحسب بتبني أحلام البسطاء الذين خرجوا في موجات طلب التغيير فيما عرف بأحداث «الربيع العربي»، ولنتذكر جميعاً أنهم كانوا يريدون دخول عصر الدولة الحديثة ، «دولة المواطن».
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store