Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

إدارة الكبابجية

تعرفون المثل الشعبي القائل: (يخطف الكبابة من رأس القدر)، الذي يُضرب لتصوير حالة الإنسان المتسرّع الذي يأخذ الأمور على ظواهرها، من غير أن يفقه لُبَّ الموضوع، ويُسارع في نشرها، ولم يدرك عواقبها، كأن يخطف كلمة تفوّه بها أحدهم دون أن يسمع بقية حديثه، أو يعيه ثم يُسارع في نشرها، فتختلط الأمور، وتتشابك الأحداث في صراع عنيف لا يُعرف من

A A
تعرفون المثل الشعبي القائل: (يخطف الكبابة من رأس القدر)، الذي يُضرب لتصوير حالة الإنسان المتسرّع الذي يأخذ الأمور على ظواهرها، من غير أن يفقه لُبَّ الموضوع، ويُسارع في نشرها، ولم يدرك عواقبها، كأن يخطف كلمة تفوّه بها أحدهم دون أن يسمع بقية حديثه، أو يعيه ثم يُسارع في نشرها، فتختلط الأمور، وتتشابك الأحداث في صراع عنيف لا يُعرف منتهاه.هذا المثل لو تأملّناه وحلّلناه، نجده ينطبق بكل دقة على أمور غدت متفشية في كثير من إداراتنا. فاللغة التصويرية لهذا المثل تجسّد تجسيدًا حركيًّا ونفسيًّا هزليًّا حال ذلك الشخص الذي لا يدُرك الأمور ولا يعيها، فهو خاطف، أي سطحي التفكير، وأن هذا الخطف عادة متأصلة في نفسه، فكلمة (يخطف) صوّرت أن الخطف منه مستمر ودائم، وهو إنسان مضطرب قلق غير واثق من نفسه، فهو في خوف، ورعب متواصل، لأنه اعتاد التلصص في العتمة، وهو إنسان غادر يطعن في الظلام، فالخطف لا يتم إلاّ خلسة وفي الخفاء، ثم ماذا يخطف؟ إنه يخطف الكبابة، ولماذا الكبابة بالذات دون بقية الأطعمة؟ لأنها من المأكولات التي تشتهيها النفس، فنفس ذلك الخاطف تشتهي وتستهوي التلصص. وجاءت الكبابة بلفظ المفرد تصويرًا لحال ذلك المتسرّع الذي يأخذ جزءًا من الموضوع، ويبني عليه أحداثًا وهميّة.ثم تأمّل أخي القارئ تحديد مكان الخطف، إنه من رأس القدر، وليس من قاعة، وذلك دلالة على عجلته في أمره، فهو يخطفها ولم يعِ بعد هل نضجت أو لا! إنه يخطفها ويولّي هاربًا، كل ذلك كناية عن التسرّع، وعدم التروّي الذي يصحبه عدم الإدراك، وانعدام التبصر في الأمور. وهكذا حال كثير من إداراتنا التي يكثر فيها خاطفو الكبابة وعشّاقها من الموظفين والرؤساء، الذين لا ينظرون إلى الأمور بعمق ورويّة، بل يتلصصون على زملائهم، أو رؤسائهم، أو مرؤوسيهم، ويبدأون بنسج قضايا وهمية لا يكون لها أي أساس من الصحة، فتنشغل الإدارة بأمور كيدية، ويظلم فيها أبرياء كُثر.والطامّة الكبرى إذا كان رئيس تلك الدائرة من المغرمين بالكباب، فربما أذاقه ذلك الخاطف قطعة من كبابته، فأعجبته، فينساق وراء ذلك الطعم الشهي، ويُسرع في خلط الأمور، وعدم تقصّي الحقائق، فيزداد خطف الكباب لملء معدة هذا الرئيس المبطون، لتذهب فطنته، ويتحقق فيه المثل القائل: (البطنة تُذهب الفطنة)، وهكذا يزداد مسلسل خطف الكباب، وربما اشترك الرئيس مع ذلك الخاطف في فتح مطعم مجاني للكباب المخطوف، روّاده من شهداء الزور، والوصوليين الذين يحبون الصعود على أكتاف الآخرين.والمصيبة الأعظم إذا كان ذلك الخاطف يلبس مسوح الصلاح والتقوى، ويوهم المسؤول أنّه خاطف نزيه، يريد أن يطعم ذلك الكباب، المخطوف للمظلومين، المتعطشين لإنصافه! وهذا الفعل يذكّرني بتلك المسلسلات التي كانت تروّج لنزاهة الجريمة، كمسلسل (اللص الشريف) مثلاً، حتى يتفشّى الفساد في المجتمع.وحتّى نحمي إداراتنا من خاطفي الكباب، علينا أن نحكم غطاء قدورنا، كأن نستخدم (قدور الضغط المحكمة)؛ لنمنع ذلك الخاطف من مد يده، وإفساد طعام القدر بكامله.فعلى كل رئيس أن يكون ذكيًّا واعيًا، لا يعير أذنه لأيّ مغرض، ونبيهًا عارفًا بأساليب خاطفي الكباب، وألاّ ينخدع بمظهرهم الذي تبدو عليه سمات الحكمة والصلاح، فما أكثر الممثلين البارعين الخادعين في عصرنا.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store