Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

جدة وسياحة الجري

كتبت مؤخراً مقالاً في مجلة مكة التي تصدر عن إمارة منطقة مكة المكرمة، تحدثت فيه عن سياحة الجري وآمالي - أو هي أحلامي- برؤية مدينة جدة تضعها في الحسبان عند تصميم طرقها وأرصفتها، وعدم الاكتفاء فقط بإنشاء

A A
كتبت مؤخراً مقالاً في مجلة مكة التي تصدر عن إمارة منطقة مكة المكرمة، تحدثت فيه عن سياحة الجري وآمالي - أو هي أحلامي- برؤية مدينة جدة تضعها في الحسبان عند تصميم طرقها وأرصفتها، وعدم الاكتفاء فقط بإنشاء مواقع المشي العامة التي بدأت تنتشر في العديد من الأحياء بشكل يستحق الثناء والتقدير، حيث أن ذلك يعتبر خطوة متقدمة لا تكتفي بحصر رياضة المشي والجري في أماكن محددة، بل تجعلها متاحة وممكنة في كل أرجاء المدينة بشكل حضاري مماثل لما هو موجود في كثير من مدن "العالم الأول" المتقدم.
لقد اعتدت في كل مرة أسافر فيها للعمل أو السياحة أن يكون أول شيء أضعه في الحقيبة هو ملابس الرياضة، حيث أني أستمتع كثيراً بممارسة الجري في السفر ليس كرياضة فحسب، لكن كوسيلة للتجول ركضاً في المدينة التي أزورها والتعرف على معالمها المحيطة بالفندق الذي أسكنه، مكرراً ذلك كل يوم ولكن في اتجاهات مختلفة.. أعلم أن قليلاً من الناس لدينا من يقومون أو يهتمون أصلا بذلك، لكنها في الواقع من أكثر الأمور امتاعاً وتشويقاً وسبق أن مارستها في عدد كبير من المدن الغربية والعربية والآسيوية.. وقد كنت أتوقع أن هوايتي هذه هي مجرد هواية شخصية محدودة الانتشار، إلا أني اكتشفت بأن الأمر ليس كذلك، حيث أن هناك رحلات جري سياحية منظمة تتم في عدد من المدن الغربية ومنها لندن وباريس وبوسطن وشيكاجو وسان فرانسيسكو وسياتل وواشنطون دي سي وغيرها.. كما أن هناك مواقع انترنت مخصصة لتنظيم تلك الرحلات منها cityrunningtours.com و cityjoggingtours.com .
رحلات الجري السياحية هذه تقوم شركات متخصصة بتنظيمها طوال أشهر السنة وفي مختلف الأحوال المناخية، ويقوم رياضيون محترفون بتسييرها للراغبين أفراداً أو على شكل مجموعات أو للشركات الراغبة للترويح عن موظفيها وإكسابهم عادات صحية.
الملفت، ومن واقع تجربتي الملموسة فإنني لم أجد أي مشكلة في جميع المدن الغربية التي خرجت أجري في شوارعها، فالأرصفة كانت نظيفة ومتناسقة ومتصلة، كما أن قائدي السيارات كانوا دوماً محترمين وفي غاية الالتزام بحقوق المشاة، مما يجعل رحلة الجري السياحية ممتعة وخالية من التوتر والمخاطر.. بل أن معظم تلك المدن كانت بها شبكة مسارات خاصة فقط لممارسي الجري وقائدي الدراجات الهوائية.
بالنسبة لتجربتي في المدن العربية فقد كانت متفاوتة في درجة السوء.. فلو أخذنا أهم المعايير المطلوبة وهي: الأرصفة ومدى سلامتها وتناسقها، والسلامة المرورية المتمثلة في احترام حقوق المشاة, لأمكنني القول أن التجربة الأسوأ كانت في القاهرة والأفضل نسبياً كانت في البحرين.. أما المفاجأة غير المتوقعة فقد مررت بها مؤخراً في دبي والتي رغم احترام حقوق المشاة بها من قبل السائقين، إلا أن أرصفتها عشوائية ومتقطعة وغير متواصلة بشكل يسمح بالجري طولا وعرضاً في المدينة.
أخيراً، وفي مدينتي الحبيبة جدة لا أملك إلا أن أحزن على حال أرصفتها -بما فيها حديثة التنفيذ- من حيث تناسقها وخلوها من المعوقات التي تصل إلى حد عدم امكانية استخدام كثير منها ليس للجري فحسب، بل وللمشي أيضاً.. ناهيك عن الافتقاد بشكل مرعب لاحترام السائقين لحقوق المشاة.
تجربتي الطويلة والمتنوعة مع "سياحة الجري" جعلتني أُقيِم المدن في سلم التطور والحضارة، ليس بمبانيها ومؤسساتها وبناها التحتية فحسب، ولكن أولاً بأرصفتها.. نعم بأرصفتها, فأرصفة أي مدينة هي المرآة التي تعكس مدى صداقتها واحترامها لناسها.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store