Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

ضع بصمتك في.. غزة

كم كنتُ أتمنّى أن يعلن الداعية الشيخ محمد العريفي أنه سيصوّر حلقة من برنامجه في مقاطعة غزة، بدل أن يستثير الناس والملأ أجمعين بإعلانه الشهير بأنه سيصوّر في القدس، ثم يترك الناس في حيصهم وبيصهم، ولا يقدّم توضيحًا مباشرًا سريعًا، حين استفاض القول بأنه سيغادر فعلاً إلى إسرائيل، ويعمل على الاستفادة من ذلك في التسويق لبرنامجه ونفسه

A A
كم كنتُ أتمنّى أن يعلن الداعية الشيخ محمد العريفي أنه سيصوّر حلقة من برنامجه في مقاطعة غزة، بدل أن يستثير الناس والملأ أجمعين بإعلانه الشهير بأنه سيصوّر في القدس، ثم يترك الناس في حيصهم وبيصهم، ولا يقدّم توضيحًا مباشرًا سريعًا، حين استفاض القول بأنه سيغادر فعلاً إلى إسرائيل، ويعمل على الاستفادة من ذلك في التسويق لبرنامجه ونفسه، ليس على الساحة العربية وحسب، بل وحتى على الساحة العالمية، مكتفيًا بحسب توضيحه في برنامج البيان التالي للإعلامي القدير عبدالعزيز قاسم على قناة دليل الفضائية، بأنه قد كان من الواجب على كل مَن انتقده، ودعاه إلى عدم المغامرة بالسفر إلى القدس بتأشيرة إسرائيلية، أن يستفسر منه، ويسأله عن حقيقة ذلك، على أنه أبان في الحلقة نفسها بأن إجابته كانت لكل مَن اتّصل به، أن يراقب الحلقة نفسها. أصدقكم القول إن الأمر برمته لم يعجبني كليًّا، ولا أظن أن عاقلاً سَيُقرّه بشكل كليّ على سياسته تلك، فالقاعدة الشرعية التي يعرفها هو، ويُدرِّسها لطلابه، تنصُّ على أن الواجب على المؤمن أن يبتعد عن مَوَاطن الشبهات، لا أن يلقي بنفسه إليها، طلبًا لمكسب دعائي، كما أن الساحة لا تحتمل مثل هذا اللغط، وبخاصة وأن مقدرات الأمة لم تعد كما هي، وأن أبناءنا اليوم صاروا أبعدَ ما يكونون عن ثوابتها القومية بشكل عام، وبالتالي فإمكانية أن تترسخ اللقطة الأولى، والانطباع الأول في أذهان عديد منهم أكثر واقعية وانسجامًا، لاسيما وأن الأمر قد ارتبط بشيخ له حظوته ومكانته بين فئات المجتمع. لا أيُّها الشيخ الكريم، لا أوافقك البتة على منطقك الذي صرَّحت به، فأنتم من المفترض أن تكونوا ورثة الأنبياء، ومعنى ذلك أن يكون الوضوح الكلي، والصدق، والسماحة، والصبر، والعفو، واللين، وسعة الأفق إلى غير ذلك، من أهم الصفات التي يجب أن تتقيدوا بها، لكونكم أكثر الناس دراية بدلالاتها ومعانيها، أعرف الناس بعمق مضامينها، فحياتنا ترتكز على قيمة ما نرجوه من فسحة ورجاء، بسمة وأمل، بل محبة وقبول، للآخر بعدل وإنصاف، مصداقًا لقوله تعالى: {ولا يجرمنّكم شنئان قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}. شيخنا الكريم، كنت أتمنّى أن تعلن الانتصار للنفس، للإنسان، للحياة، لأولئك الصغار الجوعى، والثكالى الفُجَّعْ، واليتامى المشرّدين، كنت أنتظر أن تجأر بصوتك الجميل، وتـَحْمَرَّ طلعتك البهية، حين يتكرر على مسامعنا جميعًا أنينٌ مختلطٌ بحشرجةِ موت، ونشاهد بأعيننا أجسادًا هائمة على وجهها، ليس لها من ذنب إلاّ أنها قالت: «لا»، إنّها غزة التي أعلم أن قيمتها اليوم هي وباقي الأراضي المحتلة، أفضل عند الله، وأعظم من حجار الأقصى المبارك، فأن تُنقض الكعبة حجرًا حجرًا أهون عند الله من إراقة دم مسلم، هكذا أبان تراثنا الديني الخالد قيمة أهم حقيقة في هذا الكون، وهو الإنسان، فهل نحن سائرون على ذلك المنهج؟ بعيدًا عن التجريح البغيض في الآخرين، مؤمنين بأن الخلق عبيد الله، وهو الذي سيحاكمهم برحمته وعفوه.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store