Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

مصر .. الجسر بين يناير ويونيو

خرج المصريون بكثافة غير مسبوقة في الاستفتاءات بصفة خاصة، ليقولوا نعم لتعديلات شاملة على دستور الإخوان، معدلات المشاركة الواسعة، واتجاهات التصويت بـ «نعم» التي جاوزت 95% ، تفصح عن جملة حقائق لا يمكن إ

A A
خرج المصريون بكثافة غير مسبوقة في الاستفتاءات بصفة خاصة، ليقولوا نعم لتعديلات شاملة على دستور الإخوان، معدلات المشاركة الواسعة، واتجاهات التصويت بـ «نعم» التي جاوزت 95% ، تفصح عن جملة حقائق لا يمكن إغفالها، وتطرح بعض المخاوف الكامنة خلف «إنجازات « تصويتية، فاجأت حتى من تمنوها.
أول الحقائق أن الرأي العام المصري الكاسح قال «لا» نهائية وأخيرة لجماعة الإخوان المسلمين وأنصارها ممن أطلقوا على أنفسهم اسم» أنصار الشرعية»، ففي سوق الشرعية ذاتها لا يمكن أن تستوي شرعية بـ 64% من بين نسبة مشاركة بلغت 17 مليون ناخب، مع شرعية جاوزت 95% من بين مشاركين تجاوزت أعدادهم تقريباً الثلاثين مليون ناخب .. وهكذا فالناخبون المصريون أخرجوا بطاقة حمراء لجماعة الإخوان ولأنصار من يقول إنه الرئيس «الشرعي».
في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي قرر محمود باشا النقراشي رئيس الحكومة المصرية آنذاك حظر جماعة الإخوان المسلمين، عقب اغتيال الجماعة للقاضي الخازندار الذي أدان بعض أعضائها، فردت الجماعة باغتيال النقراشي ذاته، وفي مطلع الخمسينيات حاولت الجماعة ذاتها اغتيال الرئيس المصري جمال عبد الناصر في ساحة المنشية بالاسكندرية، ثم جرت حملة اعتقالات ومحاكمات لرموزها، وجرى حظرها مجدداً بموجب قرار من مجلس قيادة الثورة آنذاك، وفي منتصف الستينيات بعد احباط خطة اغتيالات وتفجيرات استهدفت القناطر الخيرية وكوبري قصر النيل الشهير بقلب القاهرة، وعدد من المنشآت الحيوية، جرت محاكمة قيادات الجماعة وإعدام أحد أشهر رموز التكفير فيها «سيد قطب»، لكن الجماعة عادت بعد كل محاولات الحظر، لأن الشعب كان ما يزال يحسن الظن بها، اذ كانت صورة أعضائها بين البسطاء أنهم «ناس بتوع ربنا».
لكن الجماعة التي ركبت أعلى موجات الثورة المصرية في 25 يناير 2011، واستطاعت أن تخرج من القبو الى القصر خلال بضعة أشهر، خسرت في عام واحد من حكمها، أهم أرصدتها على الإطلاق، بعدما اكتشف «البسطاء الذين حملوها من القبو الى القصر» أن الجماعة هى صاحبة مشروع الجماعة لا الشعب، والخلافة لا الدولة، وأن قادتها ليسوا «بتوع ربنا» كما كان يبدو لهم في السابق، فهم يكذبون ويقتلون وينهبون، ويضعون أيديهم في أيدي أعداء الوطن ويفرطون في وحدة ترابه.
ولهذه الأسباب وغيرها يبدو وكأن شعب مصر قد كتب أمس في صناديق الاقتراع نهاية جماعة الإخوان بالشكل الذي ظهرت به قبل اكثر من خمسة وثمانين عاماً، الجماعة تعرف الآن ذلك، وإن كانت لا ولن تعترف به ، لكنها اتساقاً مع هذه النتائج سوف تصعد من وتيرة أعمال العنف، وقد تدخل بالبلاد في طور جديد من الاغتيالات السياسية الممنهجة ، جرى التمهيد له عبر تسريبات حملت أسماء سياسيين وعسكريين وإعلاميين ونشطاء سياسيين، قيل إنهم على قوائم الاغتيالات الإخوانية .
هدف الجماعة في المرحلة الراهنة بعد هزيمتها «الساحقة» في الاستفتاء الشعبي على الدستور، هو إجهاض الاستحقاق الرئاسي، الذي قد يجرى على الأرجح في إبريل المقبل، ورحلة إجهاض الاستحقاق الرئاسي قد بدأت بالفعل ربما اعتبارا من اليوم الجمعة استباقاً لذكرى الثورة في 25 يناير (السبت بعد المقبل)، بخطط لفعاليات وتظاهرات واعتصامات وأعمال عنف، تستهدف استدراج الشرطة المصرية الى مواجهات واسعة في الثامن والعشرين من يناير الجاري (الثلاثاء بعد المقبل) بقصد اسقاط قبضة الأمن واجتياح السجون في محاولة لتكرار ما جرى في 28 يناير 2011، الأمر الذي يدمغ الجماعة «واقعياً» بأنها من كانت خلف اجتياح السجون قبل ثلاثة أعوام.
لكن هذا السيناريو الذي تعرفه كافة الأجهزة الأمنية وتتحسب له مبكراً، وتعمل على إجهاضه قبل وقوعه، ليس هو الأخطر، إذ تسعى الجماعة عبر التنظيم الدولي، وبمساعدة قيادات محلية مازالت مطلقة السراح، إلى استقطاب حركات شبابية لإحداث وقيعة بين 25 يناير وبين 30 يونيو، هذا السيناريو إن لم يتم التصدي مبكراً له ، هو الأخطر على أمن مصر واستقرار الإقليم كله، وهو لا يمكن ان ينجح بغير أخطاء ساذجة يقع فيها من يظنون أنفسهم أنصاراً ومدافعين عن 30 يونيو وعن الفريق أول عبد الفتاح السيسي.
على وجوه نظام ما قبل 25 يناير أن تتوارى وأن تخرج من المشهد الآن ودون إبطاء، وعلى هؤلاء الذين يظنون أن ثمة حرباً ضد 25 يناير ربحها 30 يونيو أن يبدلوا أفكارهم أو أن يذهبوا من حيث جاءوا، فالثلاثون من يونيو كان هبة للدفاع عن قيم 25 يناير، والانتصار ليونيو لا يتحقق بغير إنجاز أهداف 25 يناير التي لا تتحقق بدورها بدون رموز الثورة من شباب نقي طاهر، لم تتلوث يده بالتواطؤ ضد بلاده، ولم يحشُ جيوبه بأموال ممولي الثورات وصناعها في الخارج.
لن تستطيع مصر المضي قدما في استكمال ما تبقى من خارطة المستقبل خلال الشهور الست المقبلة، دون أن تتصدى بوعي وبحكمة لمن يريدون الوقيعة بين 25 يناير وبين 30 يونيو.
الشرعية الحقيقية حددتها أهداف ثورة يناير، أما شرعية 30 يونيو الحقيقية فلا تثبت بغير تبني أهداف يناير وإنجازها واحداً تلو الآخر.. مطلوب جسر متين يقيمه زعيم جسور بين يناير ويونيو تعبر مصر فوقه الى مستقبل واعد بحق.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store