Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الجيل الضائع!!

فلك طفلة سورية في العاشرة من عمرها، عندما طلبت منها معلمتها في أحد مخيمات اللاجئين أن ترسم لوحة فنية، بادرت فلك لترسم صورة لطائرات حربية مغيرة، وأجساد متناثرة، وامرأة تحنو على رضيعها القتيل وشابين

A A

فلك طفلة سورية في العاشرة من عمرها، عندما طلبت منها معلمتها في أحد مخيمات اللاجئين أن ترسم لوحة فنية، بادرت فلك لترسم صورة لطائرات حربية مغيرة، وأجساد متناثرة، وامرأة تحنو على رضيعها القتيل وشابين يحملان جثة شيخ شهيد.. أمّا زميلتها زهرة فقد رسمت صورة لمجموعة من الأشجار الجدباء المتناثرة، واحدة منها قد قطعت، وقد جثت عليها امرأة أرخت برأسها على ما تبقى من جذع الشجرة.
يقول المراقبون إن العادة قد جرت على أن يرسم الأطفال في هذه السن صورًا متفائلة فيها أزهار وشمس، وأشجار مثمرة حتى، وإن كانوا في مخيمات للاجئين لأنهم يعبرون بذلك عمّا يتطلعون إليه، أمّا في سوريا فإن هذه اللوحات توحي بأن هذا الجيل قد فقد الأمل.
أنس وأمينة وهبة شباب في أوائل العشرينيات من عمرهم، أتوا إلى الأمم المتحدة من معظمية الشام لينقلوا إلى العالم صورة شخصية لما هو واقع هناك حيث ما يزال آلاف من الناس محاصرين، وقد حرموا من الغذاء عددًا من الأشهر، يقول أنس إن الناس صاروا يهيمون على أوجههم في الشوارع يبحثون عن الغذاء، وإن الأمهات أصبحن يغلين ما تبقى من أوراق الأشجار الجافة ليسدوا بها رمق أطفالهم، وإن العشرات من البشر قد بدأوا يتساقطون موتًا من الجوع.
تقول أمينة إنها شاهدت بعينها قافلة إغاثية تابعة للأمم المتحدة وهي تقف عند مدخل الحي ويحاول القائمون عليها التفاوض مع حواجز الجيش للسماح لها بالدخول دون جدوى لتعود القافلة أدراجها تحت أعين الأطفال والنساء الذين كانوا قد احتشدوا لتحية القافلة واستقبالها، وبعد أيام قليلة، تقول أمينة، وصلت إلى الحي قافلة الأمم المتحدة التي تحمل المحققين في جريمة استخدام الأسلحة الكيميائية لتفتح لها السلطات الحواجز وبعد ساعات قليلة يغادر المحققون، وبعد أقل من نصف ساعة يستأنف القصف الكثيف على أرجاء الحي.
أمّا هبة التي استشهد خطيبها في يوم زفافها، فلقد هرعت إلى المستشفى الميداني لتساعد المصابين بعد مذبحة غاز السارين في الصيف الماضي، وعند وصولها ألقى إليها أحد الأطباء بطفل في الثالثة من عمره، تقول احتضنت الطفل وبادرت إلى محاولة إنعاشه صناعيًّا عن طريق التنفس في الفم، وبعد دقائق يشاهدها الطبيب فيقول لها: ماذا تفعلين؟ إنه ميت!! هل كان هذا الطفل أكثر حظًّا من محمد خير الصبي ذي العامين من العمر الذي نجا من الموت، ولكنه فقد والديه وأشقاءه جميعًا في تلك المذبحة؟
كل هؤلاء وملايين غيرهم ممّن حرموا فرصة التعليم في سوريا بعد أن دمرت قراهم ومنازلهم ومدارسهم هم أبناء جيل ضائع في تاريخ سوريا، جيل يمكن أن يشب دون أن يكتسب من المهارات سوى مهارات القتل، ودون أن يعشعش في فكره غير مبادئ الحقد والتطرف والكراهية.
أدركوا جيل سوريا الضائع.. افتحوا لهم أبواب المدارس في جميع أرجاء الوطن العربي.. لا تتركوا لليأس مجالاً ليسيطر عليهم.. وأضيئوا أمامهم شموع الأمل، وإلاّ فإن سوريا ستظل تطارد ضمير الأمة العربية والإسلامية لعشرات السنين!!
للتواصل: afcar2005@yahoo.com

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store