Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

60 ألف قتيل.. من منا التالي؟

عندما سقطت لمى رحمها الله في بئر مكشوفة، أشغلت قضيتها الرأي العام وتسابقت وسائل الإعلام قديمها وجديدها لتغطية الحدث مطالبة بالتحقيق وعقاب المتسببين..

A A
عندما سقطت لمى رحمها الله في بئر مكشوفة، أشغلت قضيتها الرأي العام وتسابقت وسائل الإعلام قديمها وجديدها لتغطية الحدث مطالبة بالتحقيق وعقاب المتسببين.. وصدرت التوجيهات تلو الأخرى لاتخاذ كل ما يلزم لمنع تكرار مثل هذا الحادث الأليم.. روح واحدة استفزت جل اهتمامنا، وبئر مكشوفة واحدة أرعبتنا وأثارت غضبنا واستثارت أقلامنا. أتفهم ذلك تماماً، لكن ما لا أفهمه هو صمتنا المطبق وتجاهلنا الذي يصل درجة التبلد تجاه مئات الآبار الأخرى المكشوفة التي تبتلع منا قرابة 20 شخصاً يومياً.. آبار مكشوفة أودت على مدى عشر سنوات بأرواح أكثر من 60 ألف شخص.. نعم 60 ألف شخص رحلوا بصمت ولا زال الوحش الذي ابتلعهم فاغراً فاه، ناشراً الخوف والحزن ومهدداً كل واحد منا ومن أبنائنا وأقاربنا -أو حتى كامل عائلتنا- بأنه ربما يكون ضحيته التالية.. ومع ذلك لم نحرك ساكناً لإيقافه والتخلص منه.
أخالكم أدركتم أن ذلك الوحش الذي أتحدث عنه وتلك الآبار المكشوفة ما هي الا حوادث المرور، العدو رقم واحد للسعودية والسعوديين الذي يقتل منهم سنوياً أكثر مما تقتل أشد الأمراض المستعصية وأي سبب غير طبيعي آخر.
إننا بلا فخر البلد رقم واحد عالمياً في عدد قتلى حوادث الطرق وإصاباتها المؤدية للاعاقة الدائمة، وهذه المرتبة نتربع عليها لسنوات متواصلة تشهد تصاعداً سنوياً بنسب مرتفعة.. ففي عام 2009 مثلا قتل في شوارعنا 6142 شخصاً، وفي عام 2012 ارتفع هذا الرقم بنسبة 24% الى 7638 شخصاً, أي بمعدل 21 شخصاً يومياً. ولو قارنا ذلك ببلد مثل ألمانيا عدد سكانها أكثر من ضعف عدد سكان المملكة فإننا نجد أن وفيات الطرق بها عام 2009 كانت 4152 شخصاً، انخفضت عام 2012 الى 3600 شخص، أي بنسبة 13%.
هذه الأرقام لها دلالة واحدة لا تحتمل التأويل وهي إما أنه لا توجد أي خطط جادة لمواجهة الكارثة, أو أن الخطط الموضوعة أثبتت النتائج فشلها عاماً تلو عام حتى وصلت الى هذه الدرجة الكارثية التي لم يعد بالامكان السكوت عليها أبداً.. ويبقى السؤال: من المسؤول؟
عشرون ألف شخص يموتون سنوياً ويتوزع دمهم بين عدة جهات ترمي كل منها المسؤولية على الأخرى وهم: المرور وتهور السائقين ووزارة النقل. بالنسبة لرجال المرور فإننا نرى يومياً بأعيننا غيابهم، وهم إن وجدوا فانهم لا مبالين وغير مدربين وكثيراً ما يخالفون بأنفسهم أنظمة المرور.. أما السائقون المتهورون -ارهابيو الشوارع) فهؤلاء أصبحت لهم الكلمة العليا في شوارعنا مهددين حياتنا دون خوف أو خجل لسبب واحد بسيط انهم لم يجدوا من يردعهم.. بدليل أنهم عندما مارسوا تهورهم في دبي قبل عام تم ردعهم بالسجن والغرامة ومصادرة المركبة حتى تدخلت سفارتنا هناك وأعتقتهم من العقاب. أما وزارة النقل وإدارات الطرق فإن حادث «دخنة القصيم» المروع الذي حدث قبل أيام هو مجرد مثال واحد لعشرات الحوادث التي هلكت فيها أسر بكاملها نتيجة سوء الطرق وغياب اللوحات الإرشادية. حادث دخنة أودى بحياة أسرة من ثمانية أشخاص وشابين في سيارة أخرى ارتطمت بسيارتهم وجهاً لوجه لعدم وجود لوحات تحذر من تحول الطريق الى مسار واحد. العقاب الشكلي البسيط للمتسبب بهذا الحادث سواء كان المرور أو ادارة الطرق هو سبب جوهري لاستمرار الاهمال ونزيف الدماء المتواصل.
خلاصة القول، حياة كل واحد منا في خطر بسبب إرهاب الشوارع، والحل هو طرق آمنة، ومرور مجهز ومدرب، ونظام صارم وحازم، وتقييم سنوي للجهات المعنية بالنتائج والأرقام لا بالتصريحات والوعود.. لا نريد ترديد كلمة «توعية» فهي المخرج السلبي لكل تلك الجهات كلما فشلت أو ضاقت بها الحلول.
saudkateb@gmail.com
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store