Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

بين جاليليو.. وروّاد غزال

«أنا المدعو جاليليو جاليلي، ابن فنشنزو جاليلي من سكان فلورنسا.. أبلغ من العمر سبعين عاما.. أعلن ندمي عن كل الأفكار والهرطقات التي أدليت بها مسبقًا.. وأقسم ألا أعود إلى مثل تلك الأفعال مرة أخرى..

A A
«أنا المدعو جاليليو جاليلي، ابن فنشنزو جاليلي من سكان فلورنسا.. أبلغ من العمر سبعين عاما.. أعلن ندمي عن كل الأفكار والهرطقات التي أدليت بها مسبقًا.. وأقسم ألا أعود إلى مثل تلك الأفعال مرة أخرى.. وألتزم بأن أشهد أمام هذه الهيئة المقدسة ضد أي شخص يقترف فعل الهرطقة فور علمي بذلك»!!
برغم ذلك الاعتذار وتلك التوبة، إلا أنه لم يكن مقنعًا لهيئة المحكمة التي حاكمته، فقد كان زمنه، زمن.. محاكم التفتيش! واضطر «جاليليو» للانتظار ما يزيد على 300 عام من تاريخ إدانته عام 1633م، حيث اعترفت الكنيسة بصحة ما جاء به «جاليليو» واعتذرت عن حكمها السابق في عام 1992م!!.
ولعلي لا أضيف جديدًا إذا قلت: إن خطيئة جاليليو العظمى والتي استوجبت ذلك الاعتراف والاعتذار والتوبة، كانت علمية بحثية بحتة وهي: أنه أثبت مركزية الشمس من خلال تليسكوبه الانكساري المُطوّر وتأكيده لنظريات «كوبرنيكوس» حول مركزية الشمس عام 1614م.
كان ذلك «جاليليو»، وما أشبه الليلة بالبارحة! ولن استطرد في استحضار الشواهد والأدلة على ذلك، ولكن لتدركوا حجم اللغط وإصدار الأحكام المستعجلة والغيابية من قِبَل البعض. فليكتب أي منكم كلمة «غزال» في مُحرِّك «قوقل»، وسيرى العجب العجاب مما كُتب. فلقد اتّهموهم وحاكموهم، بل وأصدروا الأحكام، ولم يبقَ إلا التنفيذ. أو أن يُصدر رُوّاد «غزال» اعتذارًا مكتوبًا، ويُعلنوا توبتهم ممّا اقترفت أيديهم!!
لم أزر مركز أبحاث «غزال»، وليتني أتمكَّن من ذلك، ولكنني أجزم أن غزال كان مشروعًا بحثيًا وطنيًا واعدًا، عمل فيه شباب واعد من أبناء هذا البلد الطيب، وأجزم أنهم يتوقون أن يكملوا ما بدؤوه.. ولكن..!!. وربما أخفق هؤلاء الرواد. وبقدر تفهّمي لحجم خيبة الأمل، حيث كانت الآمال كبيرة، إلا أنني أرى أن أسلوب التهييج (إيجابًا وسلبًا)، لعب دورًا كبيرًا في كل ما حصل ومنذ البداية.
ليت الأمر توقّف عند «غزال وروّاده»، ولكنه نسف أو يكاد، كل مصداقية للجامعات ومراكز البحث العلمي الوطنية. لذلك سيُفكِّر الكثير من الباحثين ألف مرة قبل الإقدام على مشروع في حجم غزال، فلقد تم استعداء مجتمعنا الطيّب على كل مَن له صلة به، وتمت محاكمتهم وتجريمهم كما أسلفت.
لقد تعوّد العالم الغربي، على نجاحات البحث العلمي، كما تعوّد على إخفاقاته وفشله، حيثُ يقتصر الحديث عن كل ذلك على حلقات النقاش في مرابع البحث العلمي وبأسلوب علمي وموضوعي بعيد عن الإثارة. والنتيجة أنهم يستفيدون من إخفاقاتهم كما من نجاحاتهم بل أكثر منها. وأظن أن وزارة التعليم العالي وانطلاقًا من موقعها واهتمامها بالبحث العلمي ومكانتها التي يُقدّرها الباحثون تستطيع أن تُشكِّل «فريقًا علميًا» متخصصًا ومحايدًا لتقييم تجربة غزال ومن تبنّاها وعمل فيها، لاستخلاص الدروس والعبر بما يُثري تجربتنا، ويُعدِّل من مسارنا البحثي وتوجّهاته وأولوياته. ولا مانع حينها أن تنشر من تقرير هذا الفريق ما يهم المواطن، سواءً كان متابعًا عن بعد، أو إعلاميًّا أو خلافه.
إننا لا نريد البتّة أن يأتي يوم يقول فيه باحث واحد فقط من باحثينا الطموحين أو من يُدعمهم في الجامعات، مثل ما قال «جاليليو» بعد محاكمته: «يا ليتني أحرقت كل ما كَتَبتُ بيدي حتى لا أشهد يوم محاكمتي هذا»، وكلي ثقة أن هذا اليوم لن يأتي بإذن الله.. وبالله التوفيق.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store