Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

تنقية تاريخنا من الأساطير

قرأت مؤخراً عدداً من الكتابات التي تمنيت لو أني قرأتها قبل سنوات طويلة، حيث أنها وضعت عدداً من الروايات والقصص على طاولة النقد باعتبارها مجرد أساطير تمت بغرض إثارة الحماسة الدينية والتهييج، أو أن منها

A A
قرأت مؤخراً عدداً من الكتابات التي تمنيت لو أني قرأتها قبل سنوات طويلة، حيث أنها وضعت عدداً من الروايات والقصص على طاولة النقد باعتبارها مجرد أساطير تمت بغرض إثارة الحماسة الدينية والتهييج، أو أن منها ما تم دسه في تاريخنا بغرض التشويه والإساءة.. بعض تلك الروايات ترددت على مسامعنا منذ الصغر دون أن نجرؤ على التصريح بعدم قدرتنا على تصديقها أو حتى مجرد طلب بعض الشرح الذي يساعد عقولنا على هضمها واستيعابها.
بعض تلك الروايات لا يوجد لدي شك بأنها مجرد اختلاقات، بينما منها أخرى لا تخلو من الصدق غير أنه تم إفسادها بالتهويل والمبالغات. ومن الروايات المستعصية على التصديق قصة إسلام رائد الفضاء الأمريكي أرمسترونق أول إنسان يهبط على سطح القمر عام 1969م، والتي تمتلىء قنوات اليوتيوب العربية بمقاطع برامج تلفزيونية تروي بطريقة درامية قصة سماعه للأذان وهو على سطح القمر، ثم سماعه بعد ذلك بسنوات للأذان وقت الفجر وهو نائم فاستيقظ وهو يصيح مردداً "جليل أيها الرب.. قدوس أيها الرب" ودخل في الإسلام. وفي لقطة أخرى لبرنامج تلفزيوني لأحد المشايخ المعروفين يقول فيه كيف أن أرمسترونق فسر لهم آية "وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد" قائلاً لهم إن الحديد يستحيل أن يكون خلق على الأرض أو مجموعتها الشمسية لأنه عند دراسة الطاقة الكامنة في معامل ناسا وجدوا أن طاقة الحديد تساوي الطاقة الموجودة في المجموعة الشمسية أربع مرات، وهذا يعني أن الحديد عنصر وافد من السماء!
ومن القصص الوهمية الأخرى التي لم يكن أحد حينها يجرؤ على التشكيك بها قصص عدم تحلل أجساد "المجاهدين" في أفغانستان وخروج رائحة المسك من دمائهم، وقيامهم بإسقاط الطائرات السوفيتية بنفخ الرمل عليها.
أما قصصنا التاريخية التي أفسدتها المبالغات فمنها على سبيل المثال قصة "امرأة عمورية" التي صرخت "وامعتصماه" فاستجاب المعتصم لصرختها وحشد الجيوش لنجدتها. الناقد الدكتور سعد السريحي شكك في مصداقية هذه الرواية وطالب بإعمال الفكر مع التاريخ وكشف الصادق والزائف منه. علما بأن الروايات تعددت حول القصة، ولا زلت أذكر منها مقولة أحد أساتذتي وأنا طالب بأن المعتصم رأى في منامه تلك المرأة وهي تستنجد به فاستيقظ مفزوعاً وطلب حشد الجيوش لغزو عمورية.. وهذه إحدى الروايات المغلوطة.
الكاتب نجيب يماني كتب مقالاً بعنوان "عندما يكذبون على التاريخ" ضمنه آراء مجموعة من الكتاب حيال مصداقية بعض أحداث تاريخنا الإسلامي.. فمشعل السديري مثلاً لا يرى صدق مخاطبة سيدنا عمر لنهر النيل وإرساله رسالة إليه فخاف النهر وجرى ماؤه.. كما كذّب الدكتور السريحي مقولة "حكمت فعدلت فنمت يا عمر". أما عبدالله خياط فطالب بإلغاء ميدان بواخر طارق بن زياد بجدة معتبراً أن قصة حرق البواخر برمتها مجرد "كذبة تاريخية من ضمن توهمات تراثنا وأساطيره المكتوبة في غفلة من الزمن".. وختم نجيب يماني مقاله بعبارة "عيب تاريخنا أنه يدون بعد مئات السنين معتمداً على الروايات والأساطير".
هذه القصص هي مجرد جزء بسيط من روايات كثيرة تحتاج منا الى المراجعة والتدقيق وإخضاعها للتحليل والتفسير النقدي القائم على المنطق والعقل. إن علينا إدراك أن الزمن قد تغير كثيراً وأن الناس بمن فيهم صغار الطلاب والتلاميذ أصبحوا أكثر وعياً وانفتاحاً على المعلومة بحيث لم يعودوا يقبلون حشو عقولهم بقصص لا يمكنهم الاقتناع بها، وسيكون من الخطأ الإصرار على ممارسة ذلك الحشو معهم والاستمرار في مهاجمة كل من يفكرون بوضع محتواه على طاولة النقاش والنقد.. كما أن علينا أن نكون أكثر ثقة بأنفسنا وتاريخنا ففيه من عظمة المآثر والحقائق ما لا يحتاج معه لحشوه بالأساطير والتهويل.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store