Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

صديقي والثوب الأوحد !!

حكى صديقي العزيز أنه إذا أراد السفر لعمل سريع لذات اليوم ومراجعة معينة في عاصمتنا الحبيبة الرياض أو الدمام الرائعة فهناك ثوب معينٌ يرتديه، وعبارة محددة يقولها لأهله جهزوا ثوب السفر فلدي غداً رحلة عمل

A A
حكى صديقي العزيز أنه إذا أراد السفر لعمل سريع لذات اليوم ومراجعة معينة في عاصمتنا الحبيبة الرياض أو الدمام الرائعة فهناك ثوب معينٌ يرتديه، وعبارة محددة يقولها لأهله جهزوا ثوب السفر فلدي غداً رحلة عمل قصيرة إلى هناك، قلت ولماذا هذا المصطلح وثوب معين واحد، قال إنه ثوب صوف متين يتحمل ساعات الانتظار في المطار والجلوس في الطائرة لساعات أخرى، ويكفيني مؤونة أن أبدّل ثوبي بثوب آخر عند وصولي وجهتي، فيبدو هندامي معقولاً وقيافتي لا بأس بها في الاجتماع أو المناسبة التي أنا ذاهب لأجلها.
تذكرت حكاية صديقي هذا وروايته التي حكاها لي وارتباطه بثوب معين واحد لكل مهمة خارج مقر إقامته، وجال في خاطري أن بعض من حولنا يتصرفون كصديقي إياه فيلبسون لكل الظروف لبوساً واحداً لا يتغير، ولكل موقف رأي لا يتزحزح، ناسين أو متناسين أن الحياة مواقف، مبنية على أسس أخلاقية ومبادئ إنسانية تراعي الأوليات، ولكن لا تنسى أن لكل موقف أو حدث ظروفاً تحيط به، ومجريات تتغير ولذا فإن حكمنا على الأشياء وقراراتنا يجب أن لا تكون حجراً محجوراً.
فالاختلاف هو الأصل في الخلقة يعيش معنا في كل مكان ، في الأسرة وفي العمل وفي العلم وفي المدرسة وفي الشارع، وفي الجنس وفي اللون ...الخ.
فهناك بعض القوانين والسنن لا يمكن أن تتغير أو تتبدل مهما تعاقب عليها الدهر، والتي يقف الإنسان عاجزاً فيها بكل ما له من علم وقدرة ولعل ذلك من لطف الله ورحمته فإذا تدخل أفسدها وفسدت معها الحياة ومن تلك النواميس والقوانين سنة الاختلاف والتباين في كل شيء على وجه البسيطة.
فلنتأمل في كل مخلوقات الله تعالى فهي آية وبيِّنة للقدرة تسكن قلوبنا وعقولنا، وقد يكون الاختلاف ضرورة ملحة في بعض الأحيان، ولنا أن نتصور كيف يكون شكل الحياة لو تشابه الليل والنهار مثلاً، ولم يكن بينهما هذا التباين؟!، ولننظر إلى طبائع الناس ومزاجاتهم نجدها أكثر اختلافاً وتبايناً فلكل شخصية ظاهرة خاصة حتى الأبناء في الأسرة الواحدة.
إذاً من البديهي أن تختلف وتتباين الآراء أو تتفق، ومن المهم تفهم ذلك ونكون على استعداد لتقبل هذا الاختلاف والتعامل معه بمرونة وتفهم وإلا أدخل الإنسان نفسه في دائرة مفرغة من المشكلات.
فما أحوجنا إلى أن نتعلم... كيف نختلف مع بعضنا البعض بشكل إنساني متحضر ودون أن تتمزق علاقاتنا الإنسانية ومودتنا وقبل ذلك أن تتوافر لدينا المرونة واللياقة لقبول الاختلاف، وأن الإنسان إذا خالف أخاه الآخر في الرأي لا يقلل من شأنه فهذه واحدة من المشكلات التي نواجهها أحياناً مع رؤساء العمل والزملاء الذين يرى بعضهم أن من خالفه في الرأي خاصمه أو عاداه.
وما أحوجنا إلى أن نتعلم... أنه مهما كانت منطقية قضيتنا وحتميتها فهي خاضعة للنقاش وتباين الآراء، وأن ذلك لا يضر، بل على العكس يمكن أن يثري فكرتنا وقضيتنا، ولنعي أننا لن نجد الآخرين كما نحب دائماً، ولكن لابد وأن يحدث الاختلاف والتباين، وعلينا أن نتعلم... كيف نُبقي الود والحلم في النفوس شمعة مضيئة لا تطفئها رياح الاختلاف.
وحتى في حياتنا اليومية يجب أن نؤمن بأن التباين والاختلاف سُنة الحياة، فلا يجب أن يكون لنا نفس المشارب والأهواء فيلبس كلنا الملبس الأوحد أو يأكل نفس الأكلة أو يشرب نفس الشربة.
ولقد تحدث القرآن الكريم في العديد من آياته عن الاختلاف في كل شيء، كما سمى الاختلاف آية من آيات الله سبحانه وتعالى، منها قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ)، وقوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ)، وقوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) وهذا تأكيد واضح لا يقبل الجدال على أن الاختلاف هو الأصل في سنن الحياة.
إن مجتمعاً كبيراً تنوعه قوة، مبدأه واحد، وأولياته واحدة ولكن لا بأس أن يختلف أفراده في الفريق الذي يشجعونه أو الأكلة التي يفضلون أو اللعبة الشعبية التي يؤدون.
المهم أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store