Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

ثوماس فريدمان وشباب العرب

تحدث الكاتب ثوماس فريدمان في مقاله الأخير بصحيفة نيويورك تايمز عن لقاء جمعه في إسرائيل مع بروفيسور مبدع من عرب إسرائيل مثنياً عليه وعلى مبادرته التعليمية الأولى من نوعها باللغة العربية والمسماة (الماد

A A
تحدث الكاتب ثوماس فريدمان في مقاله الأخير بصحيفة نيويورك تايمز عن لقاء جمعه في إسرائيل مع بروفيسور مبدع من عرب إسرائيل مثنياً عليه وعلى مبادرته التعليمية الأولى من نوعها باللغة العربية والمسماة (المادة التعليمية المفتوحة المكثفة على الإنترنت) ويرمز لها اختصاراً بـ MOOK . وعبر فريدمان عن دهشته عندما أخبره ذلك البروفيسور واسمه حسام حايك بتلقيه العديد من رسائل البريد الإلكتروني من أشخاص في مختلف الدول العربية يسألونه أسئلة منها: هل أنت فعلاً شخص حقيقي؟.. هل أنت حقاً عربي أم أنك يهودي إسرائيلي تزعم بأنك عربي؟ وكأنهم غير مصدقين بوصول شخص عربي لهذه الدرجة من العلم والثقافة.
عنوان المادة التي يقوم البروفيسور حايك بتدريسها هو (تكنلوجيا النانو والحساسات فائقة الصغر)، وقد سجل في هذه المادة عن بعد حوالى 4800 طالب من مختلف الدول العربية، بعضهم انسحب منها بعدما عرف أن من يرعاها هو معهد تكنيون الإسرائيلي، غير أن معظمهم واصل تسجيله فيها. هذا المعهد تبلغ نسبة الطلاب العرب الإسرائيليين فيه 19%، ويقول عنه البروفيسور حايك دائما "لو أن الشرق الأوسط كان مثل معهد تكنيون لكنا اليوم نعيش في سلام، ففي هذا الصرح الأكاديمي تشعر دوماً بالمساواة ويتم تقديرك بناءً على إنجازاتك العلمية فقط".
الحق يقال أن فريدمان كان كعادته ذكياً واستباقياً لردود الفعل التي ستطلب منه إبراز الوجه القبيح لإسرائيل بعنصريتها وظلمها للفلسطينيين، وقد فعل ذلك بأن أشار في مقاله الى تلك الممارسات الإسرائيلية، مع أنه حرص على القول بأنه "يجب النظر الى إسرائيل على أنها دولة وليس مجرد صراع وأنها كدولة لها عثراتها"! وللحق أيضاً فان المقال تضمن إضاءات تستحق الاهتمام ومنها أن لدى الشباب العربي طاقات كامنة لم يتم استغلالها في دولهم العربية، إضافة الى أهمية الاستقرار والعدالة السياسية الغائبة للأسف في أجزاء كثيرة من عالمنا العربي. وقد استشهد فريدمان بكل ما سبق ليصل في نهاية مقاله الى نتيجة مفادها "أن الصراع العربي الإسرائيلي هو إهدار للمال وللمواهب البشرية العربية، وأن لدى الشباب العربي طموحاً وإمكانات قتلتها الديكتاتوريات العربية وكان ذلك سبباً في إشعال الثورات".
وتعليقاً على هذه النتيجة التي توصل إليها فريدمان فإني أتمنى منه -كما حاول أن يكون منصفاً بشأن إسرائيل- أن ينظر بعين الإنصاف أيضا الى النتائج الكارثية للثورات على شباب دول "الخريف العربي" الذين أصبح أقصى همهم وطموحهم اليوم هو مجرد البحث عن لقمة العيش أو الأمن على حياتهم وحياة أسرهم. ورسالتي لفريدمان هي أن يحث أولاً بلده الولايات المتحدة لتمارس دوراً أكثر عدالة وإيجابية لحل القضية الفلسطينية، ولتمارس أيضاً دوراً أكثر حكمة لاستقرار منطقة الشرق الأوسط بدلاً من سياسة "الفوضى الهدامة غير الخلاقة" ومحاولات تفتيت المنطقة وتغيير موازين القوى بها وتأجيج الثورات الحارقة للأخضر واليابس في دول مستقرة، بشكل أفقد الولايات المتحدة كثيراً من شعبيتها حتى لدى أولئك الذين كانوا يرونها رمزاً للحرية والعدالة والديموقراطية.
لقد استبشرت الشعوب العربية خيراً في بداية الثورات العربية التي سرعان ما فقدت كل مقوماتها بمحاولة أطراف داخلية متطرفة ركوبها، ومحاولة أطراف خارجية عظمى تسييرها بخفاء ودهاء بحثاً عن مصالح ضيقة، ومحاولة أطراف خارجية صغرى لا تعرف ما تفعل ولا حجم ما تفعل القيام بذلك، دونما إدراك لحقيقة مفادها أنك عندما تصنع وحشاً وتغذيه اليوم فانه سينقلب حتماً عليك غداً ويسعى لعضك إن كنت كبيراً أو ابتلاعك إن كنت صغيراً. إن المنطقة وشبابها بحاجة فقط لقوى حكيمة تسهم بصدق في تنميتها ونشر العدالة بها بدلا من اشعال واثارة براكينها الخامدة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store