Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

بين الطالب الجامعي.. وأستاذه (1)

اتصل بي أحد الزملاء الأعزاء المتابعين لما أكتب، واقترح عليّ أن أكتب عن كيف يجب أن تكون العلاقة بين الأستاذ الجامعي وطلابه، وأشار إلى ما يُتداول هذه الأيام حول هذا الموضوع.

A A
اتصل بي أحد الزملاء الأعزاء المتابعين لما أكتب، واقترح عليّ أن أكتب عن كيف يجب أن تكون العلاقة بين الأستاذ الجامعي وطلابه، وأشار إلى ما يُتداول هذه الأيام حول هذا الموضوع. للأمانة فقد كان الزميل يُرجِّح في حديثه كفّة الطالب، وكم هو مضطهد ومظلوم.. إلخ، ووعدته خيراً، ولكن ليس على منهجه الذي أراد.. كنت قد كتبت حول هذه العلاقة عدة مقالات، بعضها نشر وبعضها لم ير النور. ولعل من المناسب أن أتناول هذا الموضوع برؤية تختلف عما طرق به سابقاً فيما أحسب.
لاشك أن الجامعات أُنشئت وبُنيت من أجل تأهيل الطلبة لمرحلة قادمة من حياتهم.. ففي الجامعة يكتسبون معارف ومهارات وقدرات وأخلاقيات تعينهم على تحمّل مسؤوليات المستقبل. ويعتبر دور كل من يعمل في الجامعة بلا استثناء مساعداً لوصول الطلبة إلى مبتغاهم وكفايتهم في كل تلك النواحي. لذلك فلولا الطلبة ووجودهم في الجامعات لما كان هناك من ضرورة لوجود كل تلك الكوادر التدريسية والإدارية بالجامعات.
دعونا نستحضر كيف ينظر كل من الطالب والأستاذ لنفسه أمام الآخر. ولنبدأ بالأستاذ: فهو يرى نفسه الأنضج تجربة والأكثر معرفة بدروب الحياة ومساربها وكيفية التعامل فيها. كما يرى نفسه الأكثر علما وتخصصا في مادته التخصصية، وهو الشخصية المرجعية الذي ينبغي للطلبة التسليم له بل والانقياد لطريقته في معالجة الأمور، كما يرى أن قوله هو الفصل الذي لا قول بعده، ومن يبدي من الطلبة رأيا آخر، قد ينظر له الأستاذ أنه شيء من العقوق والخروج عن المسار الصحيح.. بلا شك هناك شريحة لا يستهان بها من الأساتذة تنطبق عليهم هذه الصفات أو بعضها.
في الجانب الآخر، الطالب الجامعي: هو شاب في مقتبل العمر ممتلئ نشاطا وقوة وحماسا، وحين أكمل المرحلة الثانوية توجّه كل من حوله من الوالدين والأقارب والزملاء والأصحاب بتاج الثقة، ورأوا فيه رجلا بدأ الكل يستمع إليه ولآرائه وقدرته على الحكم على الأشياء، وهو بين كل هؤلاء مصدر فخر وزهو وإعجاب. وحين يقدُم إلى الجامعة، لا يظن أنه قد بقي من سلطة المدرس شيئا، فقد تركها وراءه في المدرسة الثانوية.. لذلك يرى نفسه رجلا، مثل غيره (أي الأستاذ) ولا سلطة لأحد على أحد.
لاشك أنني صورت ووصفت شخصيتي الطالب والأستاذ بشكل صارخ. فهذا ليس هو الحال على الدوام، لكن تصوروا ما الذي يمكن أن يحدث لو اصطدمت هاتان الشخصيتان: أستاذ يمتلئ زهوا بشخصيته وقدراته العلمية، وما يزال يؤمن بالشخصية الأبوية التي يجب أن تُطاع "دائما"، وفي الجانب الآخر شخصية الطالب الذي يرى أنه قد اقتحم حلبة الرجولة ويمتلئ اعتدادا بالنفس، ويملؤه الإحساس بدعم من حوله وإعجابهم به، وقد بدأ يُكوّن آراءه الشخصية في كل ما حوله من أحداث.
لاشك سيختبر كل منهما قدرات الآخر وتحمّله وصبره، وسيحاول الأستاذ أن "يسيطر" على من حوله من الطلاب، بينما يبذل الطلبة كل ما في وسعهم لإشعار الأستاذ أنه لا سيطرة له عليهم، وسيظهر ذلك في أقوال وتصرفات وأفعال، قد يشوبها شيء من الاستفزاز بين الطرفين.. مما قد ينتج عن ذلك أقوال وأفعال أخرى من كلا الطرفين تصبح مصدر تنافر وتباعد وتذمّر.. ولكم أن تتصوّرا ما يمكن أن تنتهي إليه الأمور.
مهلاً: أما وقد صوّرت الحال كما رأيتم. يبقى السؤال: هل هناك مخرج تربوي وأخلاقي يمكن أن يضبط هذه العلاقة، ويبقي لكل شخصية مكانتها بل ويستثمر كل تلك الإمكانات والقدرات لصالح وفائدة كلا الطرفين؟.. أجزم أن هناك أسسًا وقواعد تؤطر تلك العلاقة.. لنا لقاء في الأسبوع المقبل نبحث فيه سويًا عن تلك الضوابط.. وبالله التوفيق.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store