Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

دكاكين العمل الخيري

حَملتُ أوراقه مُخترقا بها عُباب ذلك الكم الكبير من المركبات ، متفاديا باقتدار لا بأس به ، تلك الحُفرُ المتناثرة يَمنة ويَسرة ، التي يُظهر اجتيازها ، مدى مهارة السائق ووعيه حال القيادة ؛ دَلـَفتُ إلى ذلك المبنى الشاهق قاصدا الطابق الخامس منه ، وكلي فرح بالأجر الذي سينالني جراء حملي لأوراق ذلك الإنسان ، المُبتلى بداء السرطان ، ال

A A
حَملتُ أوراقه مُخترقا بها عُباب ذلك الكم الكبير من المركبات ، متفاديا باقتدار لا بأس به ، تلك الحُفرُ المتناثرة يَمنة ويَسرة ، التي يُظهر اجتيازها ، مدى مهارة السائق ووعيه حال القيادة ؛ دَلـَفتُ إلى ذلك المبنى الشاهق قاصدا الطابق الخامس منه ، وكلي فرح بالأجر الذي سينالني جراء حملي لأوراق ذلك الإنسان ، المُبتلى بداء السرطان ، المقيم في إحدى الدول الشقيقة المجاورة ، تصورتُ بأن الأمر سَهلٌ جدا للغاية ، لكن الأمر كان مُختلفا ، فأن يُعرجَ بك إلى الطابق الخامس ، يَحتاج إلى معرفة مُسبقة ، وموعد مُحدَّد ، ولولا انشغال السكرتير عن الإجابة ، وتوسُّمُ المسؤول الأمني فيَّ خيرا ، لما صَعدت أصْلا . حَمدتُ الله كثيرا ، واعتبرت ذلك من علامات التيسير ، ووصلتُ إلى غايتي ، لأنتظر قرابة الساعتين ، استغرقتُ وقتي خلالها بالتفكير والاستغفار وقراءة ما تناثر من مجلات ، وقبل ذلك وبعده ، مشاهدة من يشاركني الانتظار ، والتـَّفرُّسَ في وجوههم ، لألمَسَ في أبصارهم حُزنا وأسى ، ضَعفا وَوَهنا ، فحالتهم قد استدعت منهم ذلك ، إذ غـَشِيَهم ذلّ السؤال ، وَوَجل الانكسار ؛ تخيَّلتُ صاحبي لو كان مكانهم ، كيف سيكون حاله ؟ فحمدت الله على عدم مجيئه ، وطلبت الأجر من المولى جلَّ جلاله . تم تحويلي بجُملة بسيطة إلى جمعية الإيمان لرعاية مرضى السرطان بجدة ، التي وعلى الرغم من سعادتي بتواجدها ، إلا أن ألمَ نفسي قد ازداد حدة ، إذ لم أتمكن من مُساعدة صاحبي بما يَهوى ويُحب ، ويُخفـِّف عليه من حُزنه وأساه ، بالشكل الذي يُريد وأريد ، وإن كان ذلك ليس بشكل كلي ، فالجمعية ، كما أخبرني مديرها ، على تعاونِ مع المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان في الجارة الشقيقة ، وأن صاحبي بإمكانه مراجعتها والاستفادة من خدماتها من هناك . هنا انتهت حكاية صاحبي الذي أدعو الله له بالشفاء ، وأسأل الله ألا يُري أحدا من خلقه أي مكروه ، لتبدأ حكاية أخرى ، حكاية فوضى العمل الخيري في مجتمعنا المحلي والعربي والإسلامي ، الذي في سبيل تأدية واجباته الإنسانية ، يُمْسَحُ بكرامة الإنسان أولا ، أو على الأقل نضطره إلى إراقة ماء وجهه ، والأدهى حين يكون الأمر متعلقا بمرض عضال ، كمرض السرطان أجارنا الله جميعا ، فكلنا ، إلا من رحم الله ، فقراء أمامه ، وكلنا محتاجون إلى مساعدة من استخلفهم الله على أمواله ، وأمَرَهُم بأن يُنفقوا منه ، وأن يُغنُوا خلقه عن مَذلة السؤال . حكاية العمل الخيري المُشتت ، الذي لا يُسمن بشكل فردي ولا يُغني من جوع ، حيث كانت صدمتي بالغة حين أخبرني مدير الجمعية الموقر ، بأن الجمعية تتكفل بـ25%من مصاريف العلاج لمريض السرطان ، والباقي يجب تحصيله بخطابات من الجمعية ، من قبل المريض شخصيا ، عبر مجموعة من رجال الأعمال المتبرعين ؛والسؤال :لماذا كل هذا الكعب الدائر؟ لماذا لا يتم ذلك كله عن طريق الجمعية نفسها؟ أليس من أبسط أدبيات العمل الخيري ، حفظ ماء الوجه ! ناهيك عن أن الأمر برُمَّتهِ إنساني . استأتُ أكثر حين علمت بأن كل رجل أعمال قد استحلى فتح قسم للأعمال الخيرية ، وأوقف عليه جيشا من الموظفين . ذكرني ذلك بثقافة تجارة الدكاكين في بلدي ، لأضرب أخماسا في أسداس ، وأردد وأنا تائه في بحر جدة المتلاطم قائلا : حنانيك يارب ، حتى في العمل الخيري فشلنا !؟ .
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store