Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

إيجابيات البث التلفزيوني العام

لا يكاد يمر يوم أبحر فيه في مواقع التواصل الاجتماعي وبشكل خاص تويتر دون أن أشهد نقاشات وانتقادات للقنوات التلفزيونية سواء الخاصة أو الحكومية، وهي نقاشات لاتصل في أغلب الأوقات إلى أي اتفاق أو تقارب في

A A
لا يكاد يمر يوم أبحر فيه في مواقع التواصل الاجتماعي وبشكل خاص تويتر دون أن أشهد نقاشات وانتقادات للقنوات التلفزيونية سواء الخاصة أو الحكومية، وهي نقاشات لاتصل في أغلب الأوقات إلى أي اتفاق أو تقارب في الرأي لأن كل طرف يتوقع ويريد من تلك القنوات -رغم التكاثر الكبير في أعدادها والتنوع اللامحدود في البرامج التي تبثها- أن تكون انعاكساً لآرائه وفكره وتوجهاته.. وكما يقول المثل “إرضاء الناس غاية لا تدرك”.
التباين في الآراء والتوجهات الفكرية ليس هو في الواقع السبب الوحيد في اختلاف درجات الرضا عن القنوات التلفزيونية وتزايد الجدل حول ما تبثه من برامج، بل إن هناك سبباً آخر وهو عدم فهم واستيعاب الجمهور العربي عموماً والسعودي بشكل خاص للنماذج الخاصة بتلك القنوات (Models)، بل وعدم وجود رؤية واضحة وسياسات معروفة لدى كثير من تلك القنوات نفسها حيال النموذج أو مزيج النماذج الذي تندرج تحت إطاره.
دعوني في البداية أوضح أن هناك ثلاثة نماذج للبث الإذاعي والتلفزيوني وهي:
١- البث الحكومي State Broadcasting : وهو البث الخاضع لسيطرة واشراف الحكومة بشكل مباشر، فهي التي تتحكم في محتوى برامجه التي غالباً ما تكون متوافقة مع سياساتها وتوجهاتها، كما أنها هي التي تموله إما بالدعم أو عبر الضرائب.
٢- البث التجاري Commercial Broadcasting : يملكه ويموله القطاع الخاص لكنه يخضع لدرجات مختلفة من الأنظمة الحكومية، وتهدف برامجه بشكل أساسي لاستقطاب الإعلانات التجارية.
٣- الخدمة العامة Public Services : يتم صياغتها وفق أطر تشريعية تكون الوسيلة فيها بيد العموم، لكن إدارتها تكون لديها حرية كبيرة فيما يتعلق بالبرامج التي تقدمها، والتي تكون المصلحة العامة أساسها وهدفها.. وهي تمول إما بالدعم الحكومي أو بالامتيازات ورسوم الترخيص، وأحياناً بقدر بسيط جداً من الإعلانات.. ومن أبرز أمثلة هذا النوع: الـ BBC في بريطانيا و France 2 في فرنسا وCBC في كندا و PBS في أمريكا وTVRI في أندونيسيا.
وكثيراً ما يكون هناك تداخل بين هذه النماذج وذلك وفقاً لظروف كل بلد.
وبالعودة الى تباين آراء السعوديين حيال القنوات المتاحة لهم ومحتواها والذي يبدي فيه طرف عدم الرضا مما يراه "قفز القنوات التجارية فوق عادات المجتمع وثقافته وتقاليده"، في حين يردد طرف آخر إحجامه عن القنوات الحكومية بسبب "رتابة برامجها وافتقادها للترفيه والحيادية".. هنا تبرز الحاجة الى نموذج حقيقي واحترافي لقنوات الخدمة العامة Public Service والتي تشترط خصائص ومعايير جذابة عديدة كشرط أساس لها، ومنها : شمولية التغطية لجميع المناطق الجغرافية دون استثناء، تنوع البرامج وجودتها بحيث تغطي معظم رغبات الجمهور، الاستقلالية من التأثيرات التجارية والحكومية على برامجها التي ينبغي أن يكون معيارها الأساسي هو المصلحة العامة، الاهتمام بالثقافة والهوية الوطنية، الاستقلالية المالية وتجنبها الاعتماد على الإعلانات.
هذه المعايير عندما يتم صياغتها وتنفيذها بشكل احترافي ومستقل فإنه سيكون بالإمكان إنتاج نوعيات من البرامج تعالج قضايا مهمة للمجتمع لا تهتم القنوات الخاصة بتقديمها، كما أن القنوات الحكومية قد تفتقد المهارة لإنتاجها وتقديمها بشكل جماهيري. ومن تلك القضايا التعليم والعنف الأسري واحترام النظام والفقر والخدمات الحكومية والتي تعاني من تعمد الإثارة والتهويل حين تتناولها القنوات التجارية، ومن ضعف قبول المشاهد لها عند تقديمها من القنوات الحكومية.
أخيراً، هناك حاجة لملاحظة تأثيرات التكنولوجيا الرقمية على بث الخدمة العامة والتي تنتج عنها صعوبات ينبغي التعامل معها وتلافيها، وفرص عديدة ينبغي الاستفادة منها، وهو موضوع آخر سيتم التطرق إليه في مقال لاحق بحول الله تعالى.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store