Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

دعوة بلا ترشيد!

دعوة بلا ترشيد!

من الواجب علينا كدعاة إلى الله تعالى أن نقوم بواجب النصيحة تجاه السلبيات الفكرية والأخلاقية والسلوكية لمسيرتنا الدعوية قبل احتفائنا بالإيجابيات، لأن المرض قد يهلك، ولكن الاعتزاز بالقوة قد يصيب صاحب

A A

من الواجب علينا كدعاة إلى الله تعالى أن نقوم بواجب النصيحة تجاه السلبيات الفكرية والأخلاقية والسلوكية لمسيرتنا الدعوية قبل احتفائنا بالإيجابيات، لأن المرض قد يهلك، ولكن الاعتزاز بالقوة قد يصيب صاحبه بالغرور فيقع من حيث لا يدري.
ولو نظرنا إلى الدول القوية اليوم والشعوب المتقدمة لوجدنا أن لديهم نقدًا ذاتيًّا ولا ينشغلون بنقد غيرهم فضلاً عن أن يغتروا بذواتهم، وإلاّ لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من رقي دنيوي وحتى أخلاقي بخلاف الكثير من أبناء أمة الإسلام اليوم الذين يناقضون في كثير من سلوكياتهم ما يرددونه من نظرياتهم التي لم تتجاوز صفحات الكتب.
والدعوة الإسلامية يجب أن تكون بناءة لذاتها لا هدامة لنفسها، فحينما تجد الداعية لا يبني طلابه ومريديه على الاهتمام بالنفس وبمنهج (قل هو من عند أنفسكم)، وإنما يربيهم على تكفير الآخر، وتبديعه، وتضليله، والنَّيل منه بزعم الجرح والتعديل، وربما الجهاد والاحتساب وكأن درجاته في الجنة تزداد بزيادة من يقع في عرضهم، وينال من حقوقهم، فهنا نعرف بأن دعوتنا هدامة لأنفسنا قبل هدمنا لمن نزعم أنه عدو لنا.
وهناك دعوة هدامة من نوع آخر، فهي ليست كمقاول البناء، وإنما كمقاول الهدم، وحين تسأله عن عمارته للأرض الدعوية، والنماذج الفعلية لمطالباته المثالية فلا تجد إلاّ بيوتًا هدمها، وأعراضًا انتهكها، وأموالاً استباحها، وكل هذا بزعم التقرّب به إلى الله والعياذ بالله.
وهناك أحزاب يمكن تسميتها باسم (حزب مقاومة الأحزاب)، فليس له جدول عمل، ولا برنامج سوى هدم الآخرين، ومعارضتهم، والنَّيل منهم والتربص في طريقهم، فهو يسب هذا، ويشتم ذاك، ويشوّه سمعة فلان، ويكذب على علان، ويزايد على المجتمع وكأنه من شعب الله المختار الذين لا سيئات لهم، ولا نواقص فله الكمال وحده، ولغيره سياط النقد الهدام والتجريح الدائم، وكل هذا يعتبره من باب الحسبة والقربة إلى الله تعالى، ومعاذ الله أن يقبل المولى إلاّ حسنًا طاهرًا لا سيئًا نجسًا تلوث به اللسان والبنان، وتزايد فيه القوم على الأعراض والأنفس والأموال، وها هو تويتر أكبر مثال.
فأين المشروعات النموذجية الفكرية والأخلاقية والسلوكية، فضلاً عن المشروعات الإدارية والمالية والميدانية لخدمة الناس من مزارع ومتاجر ومصانع وخدمات الإنسان للمرأة، والطفل، والعاجز، والمريض، ناهيك عن مؤسسات الخير والبر؟!
ويعلم الله جل وعلا أنني أكتب هذه الحروف وهي صعبة على نفسي؛ لأنني تربيت في محاضن الدعوة، وتشربت منهجها الإسلامي الأغر، ولكنني تفاجأت كغيري من أفكار وسلوكيات الحالة السعودية خصوصًا والخليجية عمومًا، والعربية على وجه أعم حيث ترى على سبيل المثال في أدبياتنا التربوية أن الكذب والسب والشتم، فضلاً عن الفجور في الخصومة والتهوين من أخطاء القريب، والتهويل من اجتهادات الآخر ممّا ينكر ويستنكر، ولكننا صرنا نرى تصرفات لم نكن نتوقعها في يوم من الأيام، فصار شبابنا الذي نراه اليوم في تويتر مثلاً غير الشباب الذين رأيناهم في محاضن تحفيظ القرآن الكريم، حين كان تتم تربيتهم على تحريم الغيبة والنميمة، فضلاً عن التضليل والسب الذي يصل حد القذف في أعراض الآخرين؛ لمجرد الاختلاف معهم في مسائل اجتهادية، وها هي مواقع التواصل الاجتماعي بيننا تشهد على أن هناك الكثير من شباب محسوبين على الدعوة، بل وحتى شيوخ من قضاة ودعاة وأكاديميين تراهم يعتدون على الناس، ويقعون في أعراضهم وهم يزعمون التقرب بهذا إلى الله، ويزداد استغرابي حينما أرى القيادات الدعوية وهي تتفرج على هذه الغوغائية، بل والشتائم والانحطاط الأخلاقي ثم لا ترى أي إنكار أو ترشيد، بل وجدنا شيوخًا كبارًا كنا نراهن عليهم فإذ بهم يقودون الشغب والغوغاء، ويكتبون تغريدات لا يمكن أن تقبل حتى من أحفادهم المراهقين، فما الذي تغيّر عن الأمس؟!، فهل هي تصفية للحسابات الخاصة، ولو كانت لا أخلاقية؟!، أم هي للمحافظة على تصدر القيادة بمزيد من المزايدات والراديكاليات الهوجاء؟!، ولكنهم أنفسهم الذين يتآمرون على وطنهم وولاة أمرهم، وينتهكون حقوق الناس تجدهم يبررون لبعض الأنظمة الجديدة بعد الربيع العربي، ويتغنون بها مع أنها لا تأتي ولا معشار عشير هذه البلاد المقدسة في تطبيقها للشريعة الإسلامية وعدالتها ونموها، أم هي نكاية بالقريب وتحزب مع البعيد لأجندات مشتركة ولو على حساب الحق والعدل والتنمية التي كل يدّعي وصلاً بها؟!
وختامًا نقول لهؤلاء: اتقوا الله في دعوة بنيت بجهود عشرات السنين، فكانت طاهرة لا تخرج إلاّ الطهر، فصارت مخترقة ومختطفة ممّن لا يشوّهون أنفسهم فحسب، وإنما تسببوا في تشويه سمعة الدعوة وأهل الخير، بل وربما شوّهوا سماحة الإسلام ورسالته.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store