Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

ذكريات الطناحي في أم القرى!

العلمُ رحمٌ بين أهلهِ ، هكذا قرأنا في تراثنا وسمعناه من مشائخنا وعلمائنا ، ومازال الباحثون عن العلم والمعرفة والراغبون في توسيع المدارك والوقوف على أفكارٍ وحضاراتٍ جديدة ،ما زالوا قديماً وحديثاً يتنقل

A A
العلمُ رحمٌ بين أهلهِ ، هكذا قرأنا في تراثنا وسمعناه من مشائخنا وعلمائنا ، ومازال الباحثون عن العلم والمعرفة والراغبون في توسيع المدارك والوقوف على أفكارٍ وحضاراتٍ جديدة ،ما زالوا قديماً وحديثاً يتنقلون ويترحلون من الغرب إلى الشرق وبالعكس، سماعاً من شيخٍ جليل أو وقوفاً على فنٍ جديد أو اطلاعاً على تراثٍ مجيد!
وكُتبُ التراجم والأخبار مليئةٌ بأخبار أولئك العلماء الذين كانوا يترحلون بالأشهر بل وبالسنين ذوات العدد ويتركون بلدانهم وأهاليهم ليخدموا دينهم بما يخلفونه ويتركونه من علمٍ ومصنفات وطلاب ، بل إن الترّحل من بلدٍ لبلد والسماع المباشر من العلماء كان أحد معايير ثنائهم على العالم فكانوا يقولون في تراجمهم : العالم الجوّال أو كان رُحلة !
استحضرتُ هذا الأمرَ وأنا أقرأ في مقالاتٍ جميلة ورائعة فيها من العلمِ والتحقيق والفائدة ما لا تجده في آلاف المقالات المعاصرة! وأعني : مقالات العلاّمة المُحقِّق د.محمود محمد الطَّناحيِّ صاحب التحقيقات العلمية المعروفة والمتميزة والذي يعد مدرسة في باب التحقيق ونشر التراث العربي !المتوفى سنة1419هـ
ذكر هذا العالمُ والأديبُ الكبيرُ صفحةً مضيئة من صفحات نهضة وبدايات التعليم العالي في المملكة ،وأقصد تلك المرحلة التي اجتهدت جامعاتُنا مشكورةً ووُفِّقت أيما توفيق عندما توجهت هذه الجامعات للإفادة من الكوادر العلمية والكفاءات المتميزة على مستوى العالمين العربي والإسلامي وفي تخصصات مختلفة ،في الفقه وأصوله والنحو والبلاغة وفي مجال تحقيق التراث وطباعة الكتب ، والذين رحلوا من أقطارٍ شتى : من المغرب الأقصى والأدنى ومصر وموريتانيا والسودان والعراق والشام ، وقد مضى حينٌ من الدهر وكوكبةٌ من هؤلاء النُدرة تحتضنهم مكةُ أمُ القرى في جامعةِ أمِّ القرى ! فنثروا إبداعهم ورحلَ الناسُ إليهم فأفادوا من علمهم ، يقول الطناحي في ذكرياته في مكة(في عام 1398هـ تلقيتُ دعوةً علميةً كريمة من كليةِ الشريعةِ بمكة المكرمة،للمشاركةِ في إرساء قواعد مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي،وقد أنزلني القومُ مُنْزَلاً كريماً،ولم يكن في تقديري البقاء بتلك الديار المباركة أكثر من عامين ولكن شاء ربك أن تمتدّ الإقامة أحد عشر عاماً !!،فكنتُ كما قال أحمد بن الحسين الشاعر
نــزلنا على أنّ المُقامَ ثــلاثةٌ
فطابت لنا حتى أقمنا بها عشرا
وكانت أياماً زاكية،قرأتُ فيها مع إخواني الشباب هناك علومَ العربية،وقد أعطيتهم وأعطوني،أعطيتُهم خِبرة الأيام وثمار مجالسة أهل العلم ومشافهتهم والروايةَ عنهم،وأعطوني حماس الشباب وتوقُّده...) وقدْ أحسنت الجامعةُ في ذاك الوقت في التعامل مع هذه القامات العلمية البارزة ، يقول الطناحي( عُومِلتُ وظيفياً تحت بندٍ هناك يُسمّى( كفاءة نادرة) يُعاملُ بها الإنسان الذي أكرمه الله بشيءٍ من العلم معاملةَ (العالم) لا معاملة (حامل الشهادات العليا) وفي ظل هذا البند استضافت الجامعة كبار الأساتذة في العالم الإسلامي ومنهم: الشيخ الشعراوي، والسيد المُحقق أحمد صقر ،والشيخ محمد الغزالي، وشيخ أصول الفقه الكبير أحمد أبو سنة، والشيخ المُعَمِّر الفقيه شيخ الشافعية في وقته الشيخ محمود عبدالدائم ...) وقد أدركتُ بعضَ هؤلاء في مرحلة الماجستير رحمهم الله ما أعظم نفعهم ! يستمر الطناحي ويقول( وفي رحاب هذه الكوكبة النادرة من الأعلام ،التي قلّ أن تجتمع في مكانٍ،تخرجت طائفةٌ من الشباب السعوديين النابهين، مؤسّسين تأسيساً علمياً صحيحاً )
ما أجملها من سُنة علمية ، وما أعظم نفعها،وما أعظم ذلك الدور الذي قامت به جامعتنا الأم جامعة أم القرى ،ومنْ كان سبباً في ذلك الخير جزاه الله كلَّ خير، ولعلّ هذه السنة تعود حتى يعود النفعُ والعلمُ والتحقيق ، وفي كافة التخصصات التي نحتاجُها ويحتاجها طلابنا ، ليقوم البِناء صحيحاً سليماً .
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store