Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

هل يجعلنا تويتر أكثر تطرفاً وأقل ذكاءً؟

رغم قناعتي التامة بأن شبكات التواصل الاجتماعي حملت لنا وللعالم كثيراً من الإيجابيات والفوائد على كافة الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتعليمية، وهي أمور سبق لي أن حاضرت وكتبت عنها كثيراً، إ

A A
رغم قناعتي التامة بأن شبكات التواصل الاجتماعي حملت لنا وللعالم كثيراً من الإيجابيات والفوائد على كافة الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتعليمية، وهي أمور سبق لي أن حاضرت وكتبت عنها كثيراً، إلا أني مع ذلك لا أنكر أن توقعاتي بخصوص فوائد تلك الشبكات جانبها بعض الصواب -حتى الآن على الأقل- فيما يتعلق بأمرين أساسيين وهما قدرة تلك الشبكات على تدريبنا وتعليمنا أدب الحوار وقبول الرأي الآخر، إضافة إلى قدرتها على الارتقاء بقدراتنا التفكيرية التحليلية Analytical Thinking .
عندما بدأ الفيسبوك في الانتشار بشكل كبير في المملكة قبل عدة سنوات صاحب ذلك كثير من القلق لدى البعض مما يمكن أن تحمله تلك الوسيلة من تأثيرات سلبية مختلفة، وكنت حينها أردد دوماً بتفاؤلي بأن الفيسبوك سيكون بمثابة مدرسة افتراضية غير مسبوقة يتعلم السعوديون في قاعاتها لغة الحوار وآدابه وقبول الاختلاف والرأي الآخر، ذلك أن تلك القاعات جمعت ولأول مرة كافة أطياف المجتمع السعودي تحت سقف تفاعلي واحد. وقد استمر ذلك التفاؤل رغم رؤيتي بأن تجربتنا تلك مع الفيسبوك لم تكن خاليةً في مجملها من كثير من السلبيات.. انتشار تويتر بعد ذلك بين السعوديين بشكل كبير جداً صاحبه ما يشبه رفع الغطاء الذي كشف كثيراً من سوءات المجتمع فيما يتعلق بلغة الحوار وآدابه والتطرف وبذاءة الرد والعنصرية. وفي اعتقادي أن المسؤول الأول عن ذلك هم دون أدنى شك ليس عامة الناس بل المؤثرين وقادة الرأي في المجتمع الذين لم يكن كثير منهم على قدر المسؤولية كما أنهم لم يكونوا قدوة حسنةً للآخرين، حيث إنهم جعلوا من تلك الشبكات وبشكل خاص تويتر ساحة لتحريض أتباعهم على الصراع والصدام مع خصومهم بدلاً من جعله ساحة للتسامح ونشر محاسن الأخلاق والسلم الاجتماعي.. فعندما يكون الإعلامي الرياضي مثلاً عنصرياً متعصباً لناديه، وعندما يكون الشيخ متطرفاً في آرائه وفظاً في عباراته، ويكون المثقف والإعلامي لاهثاً وراء الشعبية ومتابعة القطيع فإن النتيجة ستكون بكل تأكيد ما نراه اليوم من سلبيات على شبكات “عدم التواصل الاجتماعي” الخاصة بنا.
توقعي الآخر الذي لم يكتب له الاكتمال بالقدر الذي كنت أرجوه يتعلق بقدرة شبكات التواصل الاجتماعي على الارتقاء بقدراتنا التفكيرية التحليلية. والتفكير التحليلي هو قدرة الفرد على تحديد الفكرة أو المشكلة وتحليلها إلى مكوناتها وتنظيم المعلومات اللازمة لاتخاذ القرار. ومما لاشك فيه أن تويتر والشبكات الاجتماعية الاخرى تحتوي على قدر كبير من المعلومات والبيانات اللازمة لممارسة التفكير التحليلي، لكن ما يحدث لدينا هو أن الطيف الأكبر من مستخدمي تلك الشبكات يكتفون بالتقاط طرف المعلومة، أو أنهم يأخذون المعلومة التي تناسب أهواءهم دون أن يكلفوا أنفسهم عناء جمع المعلومات من مصادر موثوقة مختلفة وتحليلها والمقارنة بينها لتكوين رأي منطقي خاص بهم.. بمعنى آخر فإنهم يكتفون بجعل الآخرين يفكرون نيابة عنهم.
هذه الظاهرة أثبتتها دراسة علمية قامت بها جامعة أدنبرة الاسكتلندية بالاشتراك مع معهد “مصدر للعلوم والتكنولوجيا” في أبو ظبي وخلصت فيها إلى أن تويتر وفيسبوك جعلا الناس أكثر اعتماداً على آراء الآخرين وأنهما تسببا في تآكل قدرتهم على التفكير التحليلي وجعلهم أشخاصاً كسولين لايفكرون، وذلك لأنهم يفترضون دائماً أن هناك شخصاً آخر لديه الإجابة على أسئلتهم على تويتر أو فيسبوك. كما توصلت دراسة أخرى ذات علاقة أجراها “The Jornal Science “ بأن مخ الانسان يكون أكثر عرضة لنسيان المعلومات عندما يتوقع أن بإمكانه العثور عليها وقتما يشاء على الانترنت، وقد لامت هذه الدراسة محركات البحث مثل جوجل لأنها جعلتنا أقل قدرة على تذكر الحقائق وأكثر اتكالية وكسلاً على الانترنت.
خلاصة القول، أنني لازلت على قناعة بأن شبكات التواصل الاجتماعي هي أدوات مليئة بالمعلومات والأفكار والإبداع، لكن الاستفادة المثلى منها تتطلب من مستخدميها أن يكونوا أكثر ذكاء ونشاطاً وأن يرفضوا تأجير عقولهم للغير أياً كان ومهما كانت ثقتهم به.. كما أن على المؤثرين وصناع الرأي من ناحية أخرى أن يتركوا الأنانية والحزبية والبحث عن الشعبوية وأن يكونوا قدوة حسنة ونبراساً يضيء للآخرين الطريق على تلك الشبكات لما فيه مصلحة المجتمع، بدلاً من استغلالها للاثارة وخدمة أهداف ضيقة أو شخصية.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store