Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الأستاذ الجامعي على خشبة المسرح..!

لو تأمّلنا في أوجه الشبه بين الأستاذ الجامعي، والممثل المسرحي، لوجدنا بينهما الكثير من الصفات والظروف المشتركة!

A A
لو تأمّلنا في أوجه الشبه بين الأستاذ الجامعي، والممثل المسرحي، لوجدنا بينهما الكثير من الصفات والظروف المشتركة! فكلاهما يملكان جمهورًا يخاطبانه، ويقفان على منصة مقابلة لهذا الجمهور للتحدّث من فوقها، ويصاحبهما العديد من المؤثرات الصوتية والضوئية المناسبة لمهمّة كلٍّ منهما. كما وأنه حين يعتلي الأستاذ، أو الممثل المنصّة يكون حاملاً (لرسالة) معيّنة، يريد أن يوصلها للجمهور، فبقدر إيمانه بهذه الرسالة سوف تستقر في قلوب وعقول ووجدان المستمعين لها.
ممّا يثير الانتباه والتأمّل، أن الممثل المسرحي لا يكون مؤهلاً لحمل لقب (ممثل مسرحي)، إلاّ بعد أن يلتحق بإحدى المدارس المتخصصة في تعليم أسس وفنون التخصص، والتدريب عليها، لكي يصبح محترفًا في التأثير على جمهوره، وأكثر قدرة على توصيل ما يحمله من أفكار ومضامين لجمهوره المستقبلي. أمّا الأستاذ الجامعي، ففي أغلب الأحيان يكفيه أنه متخصص في المادة العلمية التي ربما حصل فيها على أعلى الدرجات، أمّا قدراته للوقوف على المنصة ومواجهة الجمهور، فلم تكن أبدًا من ضمن أدواته أو مهاراته. بل قد يكون مسيئًا، وبصورة كارثية للمنصة، وللجمهور، وأساليب الإلقاء، ظنًّا منه أن معرفته بالمادة العلمية تكفي!
أدركت هذه المفاهيم د. لوسيا فولك Lucia Volk، الأستاذ المشارك في دراسات الشرق الأوسط بجامعة ولاية سان فرانسيسكو، حيث إنها بعد أن أمضت ما يُقارب التسع سنوات في تدريس طلبتها في فصول دراسية متفاوتة الأعداد، سألت نفسها: هل أُدرِّس المادة كما أعنيها Do I teach it, like I mean it، ثم تقول (.. طلبت من طلبتي أن يُقيّموا تجربتي معهم، وقد كنتُ أثناء تدريسي أحسّ بما يشبه السحر من خلال الطاقة المنبعثة من كلماتي وإلقائي.. ولم يخبْ ظنّي فقد كان تقييمهم عاليًا، وقدّروا لي حُسن أدائي، وجودة إلقائي، وتفاعلي معهم. ولم يكن ذلك كافيًا بالنسبة لي، فقد قررتُ أن ألتحق بإحدى مدارس الإلقاء المسرحي للمزيد من تجويد وتحسين قدراتي. وهذا ما حدث بالضبط، وخرجت من تلك التجربة بمجموعة من الدروس المستفادة).. وقد أجملتها (د. لوسيا) في مقالها المميّز (علّمها -أي المادة- كما تعنيها Teach It Like You Mean It)، والذي نشرته في خريف عام 2011م في مجلة Thought & Action العلمية. وإليكم مقتطفات ممّا لخصته من تلك الدروس المستفادة:
أولاً: الانتباه بتركيز للمتعلم (المتلقي) Acute Awareness of the Learner: لمخاوفه المتعددة وقلقه الدائم على المستقبل، ولرغبته الشديدة في التعلم، بل ولنتذكر تلك الكراسي التي كنا نجلس عليها أثناء الدراسة، وصعوبتها، والملل الذي كنا نحسه من تتابع الدقائق والساعات وظهورنا ملتصقة بها.
ثانيًا: الإلقاء الجماهيري والإحساس بالأداء Public Performance and Self Awareness: وللحقيقة فالتدريس أداء مسرحي بكل ما تعني الكلمة! حيث يجب أن تجيد مخارج الحروف، وتعابير الوجه، وتفاعلات الجسد، والقرب والبعد من الجمهور (الطلبة)، وعندما تتحدث لعموم الطلبة يجب أن يحسّ كل واحد منهم أنك تتحدث إليه وحده.
ثالثًا: اعرف جمهورك (طلبتك) Know Your Students: من المعروف أن الممثل المسرحي يحفظ جملاً ونصوصًا، كذلك الأستاذ الجامعي. وليس أجمل من أن يكون من أول محفوظاتك أسماء الطلبة، إذ إن الطالب يحس بالكثير من الراحة والانجذاب للمادة، والتفاعل الشخصي حين تحرص على مناداته باسمه (وهذا دليل على احترامك له، وأنه ليس بنكرة أو مجرد رقم بالنسبة لك)!
رابعًا: النص المسرحي هو مادتك العلمية The Syllabus is Your Script: كما يتقدم الممثل المسرحي إلى خشبة المسرح محيِّيًا وملقيًا لدور محدد حفظ نصه بإتقان، كذلك الحال للأستاذ الجامعي يجب أن يتقن مادته العلمية، بل وينتقي أفضل طرق التدريس والإلقاء لتوصيل المعلومات.
خامسًا: تعدد الأساليب بتعدد المواقف Different Settings, Different Styles: في الفصل الدراسي، تقف أنت على خشبة المسرح بكل تفاعلاته وطرق الأداء المميّز والتعبير الجذاب، لكن في وقت الساعات المكتبية، وحين يأتيك الطلبة فرادى، أو على شكل مجموعات صغيرة: لا تنسَ أنّك على خشبة مسرح من نوع آخر، لذلك يجب أن تجتهد أن تكون تلك اللحظات أكثر تأثيرًا وإبداعًا.
أقول لإخوتي وزملائي الأساتذة، هل أدركتم كم نحن محتاجون لتعلم مهارات الإلقاء والتفاعل مع جمهورنا؟ وكم نحن محتاجون أن نترك عند طلبتنا أثرًا لا يمحوه الزمن من خلال تفاعلات وانفعالات، وحشد لقدرات ومهارات خلال ساعات نلتحم معهم فيها، كما يفعل الممثل المسرحي المميّز، والذي يُضحك ويُقلق، ويحبس الجمهور معه أنفاسه، وتتدفق الدموع غزيرة منه لموقف أدّاه ذلك الممثل، وأحزنه، وأثر فيه. لا شك أن التدريس عملية جادّة، لذلك يجب أن يكون مفهومًا وواضحًا -ممّا تم طرحه في هذا المقال- أن المقصود هو التدريب، والقدرة على استصحاب كل أدوات التأثير الممكنة لإيصال الرسالة العلمية في أعلى مستوياتها، فهلا فكّرنا كيف يكون ممكنًا تضمين ذلك في برامج رفع قدرات أعضاء هيئة التدريس بالجامعات؟ وبالله التوفيق.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store