Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

مؤتمرُ القرائنِ الطبية وأثرها في إثبات الأحكام

المؤتمراتُ العلميةُ والفقهيةُ هي محكاتٌ حقيقيةٌ، يظهرُ فيها العلمُ والعلماءُ، ويتجلّى فيها الفقهُ والفقهاءُ، وهي مجالٌ رحبٌ للمدارسةِ والمذاكرةِ، والعلمُ لا يثبت ولا ينمو إلاّ بهذا!

A A
المؤتمراتُ العلميةُ والفقهيةُ هي محكاتٌ حقيقيةٌ، يظهرُ فيها العلمُ والعلماءُ، ويتجلّى فيها الفقهُ والفقهاءُ، وهي مجالٌ رحبٌ للمدارسةِ والمذاكرةِ، والعلمُ لا يثبت ولا ينمو إلاّ بهذا! وهي كذلك فرصةٌ ثمينةٌ للتواصل والتعارف مع نخبةٍ من أهل العلم والبحث والفكر.
وفي الأسبوع الفائت، وفي المدة من 8-9/6/1435هـ شرفتُ وسعدتُ بالمشاركة العلمية، بدعوة كريمة من الجمعية الطبية الفقهية ببحث علمي في مؤتمرٍ دولي كان بعنوان: (القرائن الطبية وأثرُها في إثبات الأحكام) وورقتي كانت: التأصيل الشرعي للعمل بالقرائن.
ويتحدّث المؤتمر في الجُملةِ عن: مدى المشروعية الفقهية لاستخدام القرائن الطبية في إثبات الأحكام في القضاء ونحوه.
ولا شك أن طرحَ مثل هذا الموضوع المهم يدلُ على أمرين: أولهما توفيق أعضاء الجمعية وعنايتهم بطرح موضوعات جديدة ومهمّة، وثانيهما: حيوية هذا الفقه الإسلامي، وتجدده، وقابليته الدائمة لاستيعاب متغيّرات ومستجدات الزمان والمكان! وذلك بما يحتويه من مقاصد وقواعد وكُليّات تأذن باستيعاب ومشروعية كل ما تتحقق مصلحته للبشريةِ، وأنه لا حرج في الإفادةِ منه مادام لا يُصادمُ نصوصها ولا يُناقِضُ مقاصدها وكليّاتها!
والقرائن يقصدُ بها: وسائل الإثبات غير البيّنةِ المعروفة وهي الشهادة والإقرار، والطبية يقصد بها: ذلك النوع من القرائن القوية كتحليل الدم والبصمة الوراثية... إلخ.
ومع تطور وسائل إثبات التُهم، أو التحقيق الجنائي وإمكانية معرفة الحقائق بأسرع وقت وأدق وسيلة، كان لابد للفقهاء أن يناقشوا ويحسموا أمرهم في هذا الأمر المهم، ومن سبرَ وخبرَ الفقه الإسلامي بأصولهِ ومقاصدهِ ومن عرفَ فقهاء وأصوليي الأمة، وقعت له قناعةٌ بأن الشريعةَ لا يُمكن أن تمنع مثل هذه الاستفادة العظيمة، والتي تنسجمُ مع مقاصد الشريعة من جهة أن الشريعة جاءت لتحفظ على الناس حقوقَهم وأموالهم، وأن مقصد (العدل) هو من أعظم مقاصد الشرع!
وقد سبق الفقهاء قديمًا في استحضار أهمية القرائن في القضاء، فهذا العلاّمةُ الفقيه ابن قيم الجوزِّية -رحمه الله- يسطر بحوثًا دقيقةً ويظهرُ فهمًا ثاقبًا سابقًا لعصره، في كتابيه العظيمين: الطرق الحُكمية، وإعلام الموقعين عن رب العالمين، ويقرِّرُ بكلِّ قوة وارتياح أن البينةَ من الخطأ قصرُها على وسائل إثبات معينةٍ فقط، بل هي اسمٌ لكلِّ ما أبانَ الحق وأظهره! وأبدع في سياق الأمثلةِ من تصرفات النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ومن فقه الصحابةِ وقضاة الإسلام المُتقدمين!
أما فقهاء العصر: فكما -ذكرتُ في بحثي- فهم متفقون على صحة العمل بالقرائن الطبية وغيرها بشروطٍ معينةٍ ذكروها، وهم يتبعون في ذلك جمهور الفقهاء المتقدمين.
وقد ناقش هذا المؤتمر الدولي المُبارك محاور مهمةٍ منها:
التأصيل الشرعي للعمل بالقرائن الطبية.. القضايا المرتبطة بالجناية على النفس والعقل والمال.. القضايا المرتبطة بالجرائم الجنسية (إثبات جريمتي الزنا والاغتصاب بالقرائن الطبية).. القضايا المُرتبطة بالحقوق والنسب (إثبات النسب بالبصمة الوراثية).
من محاسن هذا المؤتمر أنه جمع بين الأصوليين والفقهاء والأطباء والقضاة والقانونيين والمحامين، جمع هؤلاء على بساطِ البحثِ والنقاش والحوار، ومن جديد المؤتمر: أنه أفرزَ عددًا من مسائل النوازل المستجدة التي تحتاج لاجتهاد مجمعي وجماعي، وأنه أظهر تفوقًا وتقدمًا كبيرين في عمل القضاء عندنا في باب استعمال القرائن وإثبات الأحكام بموجبها حتى في باب (النسب) ومنه إلحاق نسب ولد الزنا بأبيه إذا ادعاه! وأن هذا التوجه سيكون مقررًا بشكل واضح للعمل عليه في المحاكم!
شكري الخالص للقائمين على المؤتمر في الجمعيةِ وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية على جهدهم وصبرهم وحسن إعدادهم.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store