Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

المتاجرون بالدين والكيل بمكيالين !

المتاجرون بالدين والكيل بمكيالين !

ابتداءً يجب التأكيد على أنني أفتخر بكوني مسلمًا، وبالتالي إسلامي يعتز بدينه وثوابته، ويغار على حرماته، ويسعى في الدعوة إلى الله بوسطية واعتدال وحكمة وموعظة حسنة، بلا تطرّف، ولا جفاء، وحين أبتدئ بهذ

A A

ابتداءً يجب التأكيد على أنني أفتخر بكوني مسلمًا، وبالتالي إسلامي يعتز بدينه وثوابته، ويغار على حرماته، ويسعى في الدعوة إلى الله بوسطية واعتدال وحكمة وموعظة حسنة، بلا تطرّف، ولا جفاء، وحين أبتدئ بهذا الاحتراز فلأجل ألاّ يأتي مَن يزايد علينا، وقد يكون ممّن لم تكن له أي صولة أو جولة في نصرة دين الله، وربما صار من مستوى أولادنا عمرًا وخدمة للأمة.
والصحوة الإسلامية التي سعى فيها علماؤنا ودعاتنا خلال عشرات السنين، لم تكن منطلقاتها المنهجية وسلوكياتها الفكرية على ما نراه اليوم من تطرّف وتناقض ووكس وشطط.
ولئلا يكون مقالي موغلاً في التنظير أو متهَمًا بالمبالغة فسأذكر مثالاً واحدًا على التناقض في منهجية الكثير من الإسلاميين، وعلى رأسهم الحركيون ذوو الأجندات الحزبية الجماعية، حيث إننا كنا نشكو طول السنوات الماضية من غياب وتغييب لفقه المقاصد، والسياسة الشرعية، والموازنات، والأولويات في خطاب وممارسات التيار الإسلامي السعودي خصوصًا، والخليجي عمومًا الذي نراه مرة يقف ضد مصالح البلاد، ومرة يقف ضد مصالح العباد، وثالثة يتحالف مع هذا، ورابعة يتحالف مع ذاك حتى جعلوا من الدعوة الإسلامية سوقًا للنخاسة والمزايدات والمساومات، وهدم مسيرة رجال الدعوة السابقين وجهودهم الكبيرة بهذه الحماقات التي يزعمون أنهم يتقربون بها إلى الله، ويخدمون فيها الدعوة الإسلامية.
ومع احترامنا للجماعات الإسلامية كافة -سوى المتطرّفة والإرهابية- مهما اختلفنا معها، إلاّ أن الراصد لموقف التيار الإسلامي السعودي يلحظ مزايدته على دولتنا الرشيدة، ويتعامى عن إيجابياتها ومميزاتها وتفرّدها بين الدول، وذلك بمنطلقها السلفي، وتطبيقها للشريعة الإسلامية، وتبنيها لدعوة التوحيد، ووقوفها مع المسلمين في أنحاء المعمورة، فضلاً عن خدمتها للحرمين الشريفين، وتوسعتها بمئات المليارات من الريالات ودون أي مقابل، سوى القيام بالواجب الشرعي تجاه الحرمين الشريفين، ومع ذلك يتربصون بها، ويتجاهلون مواقفها الشجاعة كمواقفها من المسلمين والسنّة في بقاع المعمورة، ولا يقبلون بمَن يخالفهم حين الدفاع عن الدولة وقراراتها، حتى ولو كان في شأن ديني، ولمصلحة المسلمين كتوسعة المسعى، ولكن في المقابل رأيناهم يقفون مع جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، والرئيس المصري المعزول الدكتور محمد مرسي، وبشكل مطلق، ويبحثون له عن المبررات، ويسوّغون له المحرّمات، فبالأمس يجيزون الربا عبر تجويزهم لقروض صندوق النقد الدولي، في حين أنهم سبق أن طبعوا المؤلفات، وقدموا المحاضرات في تكفير بعض الأنظمة؛ لكونها تعاملت بالربا، واليوم يناكفون الحقيقة، ويناقضون منهجهم كما ناقضوه بالأمس، حينما أجازوا الربا في تملك الشقق للمسلمين في أوروبا وأمريكا، وليس آخر المواقف الغريبة تجويزهم للدستور المصري الجديد، الذي لم ينص على كون الشريعة المصدر الوحيد للتشريع، كما أنه ورد فيه تشريع إباحة المنكرات، ناهيك عن الكبائر كالخمور ونحوها، ومع كل هذا لم يعجزوا عن تبرير كل تصرف، ولو كان محرمًا في الأصل.
وحتى لا يفهم مقالي بشكل مخالف لما أقصده، فأقول بأنني لست مخالفًا لهؤلاء القوم الذين برروا لمرسي كل قراراته وتصرفاته، بما فيها خطابه لرئيس الكيان الصهيوني، وشرعنوا له المحرّمات تحت بنود الضرورة والمصلحة والتدرج، وإنما مخالفتي لهم باستغرابي تجاه هذا الفقه الرائع الذي كان بالأمس غائبًا عند تعاملهم مع حكوماتنا العربية والإسلامية، فقد كانوا -ولا زالوا- يحرّمون حتى الانضمام للأمم المتحدة، ويستبيحون الحقوق الفكرية للكفار؛ باعتبارهم في دار حرب، واستباحوا الدماء المعصومة كالذمّي، والمستأمن بزعم أن الولاية للحاكم غير شرعية، وكانوا يبررون للمتطرّفين، بل والإرهابيين كل تصرفاتهم ضد البلاد والعباد، وفي الاعتداء على أموال الناس وأعراضهم وأنفسهم، ثم بين ليلة وضحاها خرج نفس هؤلاء القوم المتطرّفين بالأمس تجاه الدولة، وولي الأمر، وإذ بهم يبررون لمرسي كل قراراته، ويحيون فقه المقاصد، والأولويات، والموازنات، وحينئذٍ نقول لهم: اتقوا الله ولا تكيلوا بمكيالين، ولو كنتم متطرّفين طول الطريق، ومع الجميع لكان أهون، ولكن حين تعرفون الحق، ثم تسكتون عنه، ولا تستخدمونه إلاّ لمن هو ضمن أجندتكم، ولمصلحة جماعتكم، فهذا -والله- ليس من الدِّين في شيء.
وفي المقابل هناك متطرفون ليبراليون، وأنظمة حاكمة تخاف من وصول الإسلاميين -غير المتطرفين ولا الإرهابيين وإنما الوسطيين المستقلين -إلى الحكم والاستقرار في مصر وغيرها، فتسعى في شن الحملات عليهم، والسعي في حرمانهم من حقهم الديمقراطي.
وختامًا نؤكد على أننا نقف ضد هؤلاء وأولئك على حد سواء، ولا نريد إلاّ العدل والحق الذي قامت عليه السماوات والأرض مع الجميع، سواء اتفقنا أو اختلفنا معهم، وحسبنا قوله تعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)، فكيف والقريب هو الذي يُظلم ويُزايد عليه ويُتآمر ضده، والبعيد هو الذي يُناصر، ويُبرر له، ويُدافع عنه ولو كانت أرضه مليئة بالقواعد الصليبية، والكنائس النصرانية، والمكاتب الصهيونية، والبارات، والكبائر، بل وحتى سواحل للعراة، في مقابل مهاجمتهم وتآمرهم على ولاة أمرهم الشرعيين، الذين لم يقوموا بأي منكر مثل منكرات تلك الأنظمة المتاجرة بالدّين، ولكن المجتمع اليوم قد وعى بفضل الله، وما عاد قابلاً للانسياق وراءهم كالقطيع، وما نراه في تويتر اليوم إلاّ مبشرًا بخير والحمد لله رب العالمين.
Twitter: @IssaAlghaith
IssaAlghaith@gmail.com

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store