Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

بين الرماد البركاني والعواصف الرملية

عاش العالم كلّه في بلبال كارثة الرماد البركاني الذي نفثه بركان أيسلندا الثائر، فغطّى أجواء أوروبا الغربية برمّتها، وأصاب حركة الملاحة الجوية فيها، ومنها، وإليها بالشلل التام لما يزيد عن أسبوع، تعطّلت فيه آلاف الرحلات الجوية، ووصلت خسائر شركات الطيران خلاله إلى مليارات الدولارات.

A A
عاش العالم كلّه في بلبال كارثة الرماد البركاني الذي نفثه بركان أيسلندا الثائر، فغطّى أجواء أوروبا الغربية برمّتها، وأصاب حركة الملاحة الجوية فيها، ومنها، وإليها بالشلل التام لما يزيد عن أسبوع، تعطّلت فيه آلاف الرحلات الجوية، ووصلت خسائر شركات الطيران خلاله إلى مليارات الدولارات. ورغم فداحة الخسائر، وصعوبة الموقف، إلاّ أنه بعد انقضاء الأزمة، وصفاء الأجواء، عاودت الخطوط الجوية تنظيم رحلاتها في جميع أنحاء أوروبا، وخلال أيام قلائل غادرت كل الرحلات التي لم تغادر. بل إن أحد الدبلوماسيين السعوديين الذي قابلته في مطار الملك خالد الدولي قبل أسبوعين أو يزيد قال لي إنه قادم من فرانكفورت، وإن ما يزيد عن مئتي رحلة دولية وداخلية أُعيدت برمجتها، وأُنجزت خلال ثلاث ساعات فقط. روى لي هذا الدبلوماسي هذه الواقعة حين كنتُ وإيّاه، وأسرتي، وأسرته عالقين جميعًا في مطار الملك خالد الدولي بالرياض، بعد أن اضطربت حركة الملاحة فيه لساعات طويلة يوم الخميس 8/5/1431هـ - 22 أبريل 2010م؛ بسبب عاصفة رملية اجتاحت مدينة الرياض، مصحوبة بأمطار غزيرة، وبسبب هذه العاصفة أُلغيت رحلات كثيرة للخطوط السعودية وسواها من الشركات، وتأجّلت رحلات أخرى، وأصبح الركاب جميعًا في حيص بيص. ولم تكن تلك المرة الأخيرة، ولن تكون، فقبل شهر واحد فقط، تعرّضت العاصمة الرياض لأحوال جوية مشابهة، وتعطّلت فيها حركة الطيران بشكل أسوأ، وكنتُ حاضرًا فيها كذلكم لأمر يريده الله.أقول وبالله التوفيق: إن الكوارث الطبيعية تحصل في كل دول العالم، ولسنا في منأى عنها أبدًا، فنحن جزء من هذا العالم، وخارطة بلادنا تقع على الكرة الأرضية. وبلادنا المترامية الأطراف، شبه قارة قبل أن تكون شبه جزيرة؛ لذا فإن تعرّضها لبعض الكوارث أمر لا مفرّ منه، وقد شهدنا مؤخرًا موجة من السيول الجارفة في الغرب والجنوب والشمال، كما شهدنا بعض الهزات الأرضية في العيص وسواها، إضافة إلى العواصف الرملية العاتية في الوسط والشرق التي أشرت إليها، والتي استمرت لعدة أيام بعد الموعد الذي ذكرته آنفًا.ولكن، ولله الحمد والمنة، تكون كل الكوارث التي تتعرّض لها بلادنا أخف بكثير ممّا يقع في جميع بلاد العالم، وأقل وقعًا وتأثيرًا على أرواح الناس وممتلكاتهم، وذلك لرحمة الله تعالى بعباده المؤمنين، واستجابة لدعوة أبينا إبراهيم بأن يجعل الله هذا البلد آمنًا، وأن يرزق أهله من الثمرات، ومع ذلك فلابد لنا من أن نُعدَّ للأمر عدّته، خصوصًا إن كنا نتوقع مثل تلك الظواهر، أو نتعرض لها بانتظام مثل ظاهرة العواصف الرملية التي تعصف بالركاب والمسافرين من مطار الملك خالد الدولي بالدرجة الأولى. فما إن تتأخر الرحلات، أو تلغى حتى ترى الركاب وهم في فوضى عارمة، وتكدس غير معقول، ولا مقبول يفترشون الممرات، والمداخل، والمصليات، ويتكدسون دون أي ترتيب أو تنظيم أمام «كاونتر» مؤقت عليه لافتة تقول: (معلومات الرحلات)، ويزدحم فيه الرجال والنساء على حد سواء، وتتعالى الأصوات من كل حدب وصوب، ولا يسمع أحد أحدًا، ولا يتسنى الوصول إلى الموظفين العاملين لسؤالهم عن أي شيء، وإن وصل الراكب إليهم -بعد جهد وعناء- لم يجد الإجابة الشافية! فكثير من المعلومات عن المواعيد الجديدة للرحلات غير متوفر، وملاحظ أنه لا توفر للركاب أي وجبات، أو أي استضافة بشكل عام، وهم منتظرون لساعات طوال. حتى المسافرون على الدرجة الأولى والأفق لا يجدون لهم موطئ قدم في صالة انتظار الدرجة الأولى بالمطار، فيفلت الزمام لكثرة الزحام، ويدخل إلى الصالة ركاب من غير ركاب الدرجة الأولى، ويصبح من الصعب ضبطهم، وإن تمكن راكب الدرجة الأولى من الدخول فلن يجد طعامًا، أو شرابًا؛ لأنه ينفد باستمرار. والأدهى والأمر أن صالة الدرجة الأولى بالمطار قد تكون الوحيدة في العالم التي ليس فيها دورة مياه داخلية! فعلى الراكب استخدام دورات المياه الخارجية، وقد كانت دورة المياه المجاورة لصالة الدرجة الأولى مغلقة أمام الرجال والنساء، فلم تكن هناك سوى دورة مياه واحدة في نهاية صالة الركاب تخدم آلاف المسافرين، وكان الزحام خانقًا، والحالة مزرية. والسؤال: لِمَ تُصدر بطاقات صعود الطائرة من داخل المطار وخارجه لرحلات معلوم أنها مؤجّلة، أو مؤخّرة، فيتكدس الركاب بهذا الشكل؟ ولِمَ لا تُخصص صالة الدرجة الأولى في حالات كهذه للنساء والأطفال؟ ولِمَ لا تُوفر أماكن انتظار أوسع للركاب، وقبل ذلك عدد من الموظفين كافٍ للرد على استفساراتهم، وإرشادهم، ومساعدتهم؟ وسوى هذه الأسئلة كثير إزاء التعامل مع ظواهر طبيعية أخف بكثير من الرماد البركاني.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store