Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

لسنا وحوشا تمشي على الأرض

مع كل ما وصل إليه الإنسان في مجتمعنا السعودي من نمو وازدهار مادي ، وضح في حجم التغيير الجذري الطارئ على أحوالنا المعيشية ، إلا أننا لم نستكمل ذلك النمو في حجم علاقاتنا الاجتماعية ، ولم نعمل على تطويره بالصورة الملائمة لمقتضيات العصر ، ولعل مرد ذلك يعود إلى عدم التوازن بين آليات التطور المادي ومضامين ما يصاحبه من تطور فكري وحضاري

A A
مع كل ما وصل إليه الإنسان في مجتمعنا السعودي من نمو وازدهار مادي ، وضح في حجم التغيير الجذري الطارئ على أحوالنا المعيشية ، إلا أننا لم نستكمل ذلك النمو في حجم علاقاتنا الاجتماعية ، ولم نعمل على تطويره بالصورة الملائمة لمقتضيات العصر ، ولعل مرد ذلك يعود إلى عدم التوازن بين آليات التطور المادي ومضامين ما يصاحبه من تطور فكري وحضاري ، الأمر الذي انعكس سلبا على طبيعة تكوين العلاقات الاجتماعية وكيفية تفعيلها بشكل عام ، وعلى طبيعة العلاقة الاجتماعية بين قطبي رحى المجتمع بوجه خاص ، لتصبح ثقافة الشك بدل الثقة ، والتصور الجنسي بدل النمو العاطفي ، هي المكون الرئيسي لمنطلق العلاقة بينهما ، مما أدى إلى اختلال حالة التوازن ضمن إطار المجتمع ، وكانت له نتائجه الوخيمة على بنية واقعنا الحياتي ؛ ولا أدري هل سبب ذلك راجع إلى ما نعيشه في الوقت الراهن من فجوة عميقة بين الطرفين ، تكونت بفعل ما مارسه المجتمع من فصل قسري بينهما ، بحجج اجتماعية تارة ، ودينية تارة أخرى ؛ مما جعل العلاقة بين الطرفين في أبسط صورها تشكل هاجسا مخيفا ؟ أم أن ذلك له أسبابه الأخرى ؟ لقد كان من نتائج انغماسنا في تنطعنا الفكري أن أصبح الحوار البسيط بين الرجل والمرأة في إطار الضوابط الأخلاقية ، يمثل شكلا من أشكال الشذوذ الاجتماعي ، وتم النظر بارتياب كامل إلى أي حديث بينهما ، بل وإلى أي شراكة بينهما في بعض الأعمال التي تقتضي ذلك ، ووصل الأمر إلى أن أصبحنا في مواجهة دقيقة مع أي تطور حضاري تقني ، بسبب سيطرة ذلك الهاجس النفسي على ثنايا تفكير شريحة من مجتمعنا ، التي استعصى عليها النظر إلى الأمر من زواياه الأخلاقية الأخرى ، بعيدا عن تأثير كابوس الشك والريبة ، على أننا لم نكن كذلك إلى عقود قليلة مضت ؛ فما الذي تغير بالله عليكم ؟! هل تغير المكان ؟ أم تغير المُعتقد ؟ أم تغير الإنسان ؟ فإن كان الإنسان قد تغير ، فما الذي غيره بهذا الشكل ؟ في الوقت الذي كان من المفترض أن ينمو فكريا وحضاريا ، بقدر نموه ماديا ؛ لا أتصور في أنكم ستخالفونني الرأي إن قلت بأن المشكلة ليست في الإنسان ، بل هي في ما يغرس في ذهنه من فكر اجتماعي مغلف بالصبغة الدينية الضيقة ، اعتقادا بأن ذلك سيحمي المجتمع ، وما درى أولئك أن التشدد ما دخل في شيء إلا شانه ، وأن الإسلام قد ارتكز على تقوية القيم الخيرية في النفس البشرية . إن إشكاليتنا النفسية والعاطفية تنبع من كيفية فهمنا للأسس الشرعية المنظمة لحياتنا الاجتماعية ، وبالتالي فمن المهم التفريق بين ما هو مقنن استنادا إلى قيم اجتماعية ، فرضتها عادات وتقاليد تختلف من مجتمع لأخر ، وبين ما هو مستند على نص ديني قطعي الدلالة والثبوت ، وفي حينه سيتسنى لنا فهم سلوكياتنا النفسية ، وأنماطنا الاجتماعية بالشكل المتوافق مع مبادئنا الدينية ، التي لا يمكن أن تتعارض مع غرائزنا البشرية الطبيعية ، إن لم تعمل على تهذيبها وتطويرها . نحن أيها السادة لسنا وحوشا تمشي على الأرض ، ولسنا مفرغين من قيمنا الأخلاقية ، ومروءتنا الاجتماعية ، والخير والصلاح فينا ، ما كان اليُسر والسهولة سمة من طبائعنا ، لكوننا أتباع نبيّ ما خُيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ، وما نظر إلى أحد إلا بمحبة وثقة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store