Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الإغراق في التنظير!

الإغراق في التنظير!

مما لا شك فيه أن كل عمل يجب أن يسبقه تخطيط وتنظير، ولكن المبالغة فيهما حد الملل والكلل والاكتفاء بهما عن العمل أو الانشغال بهما عن التطبيق يعني أننا بحاجة ماسة إلى مراجعة أنفسنا وتغيير طريقتنا نحو

A A

مما لا شك فيه أن كل عمل يجب أن يسبقه تخطيط وتنظير، ولكن المبالغة فيهما حد الملل والكلل والاكتفاء بهما عن العمل أو الانشغال بهما عن التطبيق يعني أننا بحاجة ماسة إلى مراجعة أنفسنا وتغيير طريقتنا نحو الموازنة بين القول والفعل والتنظير والتطبيق.
وحتى لا يكون مقالي بحد ذاته تنظيرًا مجردًا عن التمثيل، فإنني أقدم بعض النماذج التي تساعد على توصيل فكرتي نحو الإقلاع عن بعض سلوكياتنا الخاطئة والتي عند تنبهنا لها واعترافنا بها وكفنا عنها سنحقق درء المفاسد الواقعة والمتوقعة وجلب المصالح المفروضة والمفترضة.
النموذج الأول في صفحات الجرائد سواء من حيث المقالات المغرقة في المثاليات وربما أحيانًا الموغلة في النظريات والبعيدة عن الواقع والممكن تحقيقه، أو من حيث الأخبار والتصريحات، ولو رجعنا إلى غالب المنشور لوجدناه إما مبالغة في وصف لحال واقع، أو وعودًا لحال مستقبل، ثم تمضي السنين والعقود ونحن لم نشاهد إلاّ القليل من هذه الوعود.
والنموذج الثاني في مواقع الإنترنت عمومًا ومواقع التواصل الاجتماعي خصوصًا وتويتر على وجه أخص، حيث التخمة الكبيرة في الكلام؛ فنشبع يوميًا عبر قراءتنا لمئات التغريدات والتعليقات ثم في نهاية المطاف لا نجد إلاّ الحروف الفارغة التي لا تشبع البطون الخاوية ولا العقول المتعطشة.
والنموذج الثالث في شاشات القنوات الفضائية، حيث المبالغة في الأوصاف والتهويل في التصوير على حساب الحقائق، ومثله المسموع في الإذاعات والمطلع عليه في برامج الهواتف الذكية.
وفي كل صباح نخرج من منازلنا نحو أعمالنا ولا نجد شيئًا من ذلك العالم الافتراضي مطبقًا في حياتنا، فالشوارع هي نفسها، والسلوكيات المرورية الخاطئة على حالها فتجد من يقطع الإشارة ومن يقف في طريق المشاة والكثير من المخالفات، وهكذا في الشؤون الأمنية من حيث السرقات للسيارات والمنازل وقضايا الاعتداء على الحقوق العامة والخاصة، فضلًا عن سوء الخدمات المقدمة في الدوائر الحكومية.
ومن أراد النموذج الأوضح في المسافة الكبيرة والهوة السحيقة بين التنظير الجميل والتطبيق الهزيل فلينظر إلى الخطط الخمسية التنموية التسع للدولة الصادرة منذ 45 عامًا من وزارة التخطيط، ومثلها المشروعات التي نسمع عنها منذ سنين ولم نر منها إلاّ القليل على الأرض وأمام العيون، فضلًا عن البطء في التطبيق والمماطلة في التنفيذ والضعف في الإتقان والارتفاع في الأسعار، فالمشروع الذي يكون لصالح قطاع أهلي تجده ينفذ في وقت أقل وجودة أعلى وسعر أدنى، والسائح اليوم في مدننا يرى الطفرة في المشروعات ولكنها أقل بكثير مما قرأناه من خطط ووعود عبر عقود وما نتجرعه في كل صباح في صفحات جرائدنا وشاشات قنواتنا ومواقع تلك القطاعات الحكومية على الإنترنت.
وبهذه المناسبة أجد من العدل أن أشيد بالإيجابيات بعد ما ذكرته من السلبيات لبيان إمكانية التطبيق ووجود النماذج الفاعلة في الدولة مما يجب اقتفاء أثرها وسلوك طريقها، وأكتفي بوزيرين أعتبرهما نموذجيين:
الأول وزير التجارة والصناعة الدكتور توفيق الربيعة حيث إنه أثبت تميزه في إدارة وزارته وجاهزيته في التعامل مع المستجدات ومع ذلك ما زلنا نتطلع للمزيد لأننا لا نقارنه بمن سبقوه، وإنما بما يجب أن يكون عليه لاسيما حينما وعدنا في مجلس الشورى بأنه سيضع مكتبه من زجاج كدليل على الشفافية في حين أنه جعل نفس الجلسة معه مغلقة لا سرية مع أنه لم يتطرق لأسرار تستدعي ذلك التخفي! بخلاف رئيس مكافحة الفساد الذي رضخ وجعلها جلسة علنية آتت ثمارها مع أن عمله أكثر سرية من التجارة، فضلاً عن انشغال التجارة بحماية المستهلك على حساب تطوير التجارة وتنمية الصناعة.
والثاني وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء الدكتور محمد العيسى حيث قام خلال خمس سنوات بجهود كبيرة في مرفقي القضاء والتوثيق على حد سواء وخصوصًا في مشروع الملك عبدالله لتطوير مرفق القضاء، وقد ظهر التطوير واضحًا في ديوان الوزارة وفروعها الثلاثة عشر، وعبر خمسمائة محكمة وكتابة عدل في طول البلاد وعرضها خصوصًا في الحوسبة وهندسة الإجراءات وإقامة المباني وتطوير العمل الإلكتروني وكان آخرها هذه الأيام تشغيل نظام البصمة الذي أعفى المرآة من شرط المعرف، ونتمنى أن يعمم على جميع الجهات العدلية سريعاً، وكذلك نتطلع إلى التطور من الحكومة الإلكترونية إلى الحكومة الذكية عبر تطبيقات للهواتف الذكية لاختصاص المبايعات والوكالات وحتى المحاكم وجميع الخدمات العدلية المتاحة في موقع الوزارة.
ومع مراعاتنا لكل المعوقات المالية وتقديرنا لكل البيروقراطية الإدارية في الدولة إلاّ أننا نعتقد أن في مقدور جميع المسؤولين المزيد من التطبيق، وكما أننا نشكو من وفرة التنظير وقلة التطبيق فكذلك نشكو أحيانًا من فوضوية التطبيق التي لا تسبقها صحة في التنظير بحيث تغيب الإستراتيجيات والخطط ومقاييس كمية الأداء وجودته عن مشروعات التنمية المفترضة، وذلك لاغتنام الفرصة التاريخية اليوم بارتفاع الدخل الوطني من البترول والذي يجب معه سرعة التنمية في شتى المجالات ومعالجة الملفات الهامة وعلى رأسها الفقر والبطالة والإسكان، وكذلك الأمن والصحة والتعليم، وغيرها.
وفي الختام أؤكد أن وطننا بخير ومواطنينا فيهم خير، إلاّ أن مصالح العباد والبلاد تتطلب المزيد من السرعة والإنتاج والإتقان لتعويض ما مضى، وكما أننا نجيد النقد للمقصرين فيجب أن نجيد الإشادة بالناجحين تشجيعًا لهم وبثًا لروح المنافسة الفاعلة بين العاملين للمصلحة العامة.
Twitter: @IssaAlghaith
IssaAlghaith@gmail.com

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store