Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

أساتذة الجامعات: أنتم اليد الحانية

بدأ موسم الحصاد ويكاد أن ينتهي. فعلى مدى الأسابيع الماضية وإلى تاريخ كتابة هذا المقال تكون جامعاتنا السعودية قد خرّجت عشرات الآلاف من طلبتها ومنحتهم جواز المرور إلى الحياة العملية.

A A
بدأ موسم الحصاد ويكاد أن ينتهي. فعلى مدى الأسابيع الماضية وإلى تاريخ كتابة هذا المقال تكون جامعاتنا السعودية قد خرّجت عشرات الآلاف من طلبتها ومنحتهم جواز المرور إلى الحياة العملية. حين أتقمّص شخصية أولئك الخريجين والخريجات -وقد عشت ذلك قبل ردح من الزمن- فإنني سوف أعيش في لحظة فارقة من الزمن في حياتي.. بين صفحات من حياتي أكاد أن أقلبها إلى غير رجعة، وصفحات أخرى جديدة أكاد أن أفتتحها وأسطر فيها خطواتي القادمة لحياة أتمنى أن تكون مليئة بالسعادة والإنتاجية وتحقيق الذات. وأنا أرتدي (روب) التخرج، والجمع مهيب والكل يترقب إعلان النتائج، يمرّ في خاطري شريط طويل من الذكريات عن سنوات الدراسة وما جرى فيها.. ومنها:
* هل استثمرت كل تلك الأيام كما يجب تحصيلا ودراسة وتعلما وإنتاجية؟
* هل كانت سنوات تعمرها العلاقات الإنسانية الراقية مع زملاء الدراسة، وكذلك مع الأساتذة الذين درست على أيديهم؟
* هل كنت ذا شخصية منفتحة مملوءة بالثقة والتواصل والعطاء، أم كنت شخصية قلقة غير راضية عن أي شيء، وأنظر دائماً إلى نصف الكأس الفارغة؟
* هل تمكّنت من اكتساب معارف وثقافات جديدة بخلاف المناهج الدراسية المقررة، أم كنت (متحوصلا) في المواد المقررة؟
يمرُّ شريط الذكريات، وقد يلمحني أحدهم وأنا أبتسم تارة، وأقطب جبيني تارة أخرى، تفاعلاً مع ما يمر من ذلك الشريط على مخيلتي حينها!. وفجأة تتسمر عيناي فلا حراك، وأحاول أن أتخيّل كيف ستكون عليه الأيام القادمة.. ويُطْرَح عليّ العديد من التساؤلات عن غد وبعد الغد.. ومنها:
* ما هو تأثير سنوات الدراسة على مستقبلي وأيامي القادمة؟ وهل كانت ذات فائدة؟ وهل سأطبق شيئا مما تعلمته؟ أم أنها ستذهب سدى، كأنما الهدف كان مجرد الحصول على الشهادة (كيفما اتفق)؟!.
* هل ترك أحد من أساتذتي بصماته على طريقة تفكيري وتفاعلي مع الأحداث في مستقبل الأيام؟ أم أن كل ذلك الحشد من الأساتذة كانوا بالنسبة لي كعابري سبيل في مسيرتي أيام الدراسة؟
في مقال جميل للكاتب سكوت كارلسون Scott Carlson نُشر في دورية التعليم العالي The Chronicle of Higher Education في 6 مايو 2014 م بعنوان: يد البروفيسور -أستاذ الجامعة- قد تكون المفتاح لتطور وتقدم الخريج A Caring Professor May Be Key in How a Graduate Thrives، حلل فيه تقرير معهد (قالوب) حول نفس المفهوم، بعنوان: Gallup-Purdue Index Report. ويمكن تلخيص بعض من المقال والتقرير على النحو التالي:
1- تقرير معهد (قالوب) صدر بعد إجراء دراسة مسحية لثلاثين ألف طالب متخرج من الجامعات الأمريكية.
2- كان موضوع الدراسة عن تأثير سنوات الدراسة الجامعية بكل مكوناتها (المواد الدراسية والأساتذة والجو العام.. الخ) على الطالب بعد تخرجه، وكذلك تأثير ذلك على تفاعله في عمله وتطور قدراته وانسجامه في العمل وحسن أدائه.
3- انتهى التقرير إلى أن الوصفة السحرية لدى ما يزيد على 63% من أولئك الخريجين، كانت تتمثل في (يد الأستاذ الجامعي الحانية) على الطالب الجامعي، والأخذ بيده ومساعدته وتقويم مسيرته وتحفيزه وتشجيعه خلال سنوات الدراسة، وأيّد الكاتب (كارلسون) ذلك بالعديد من كتابات طلبته حول نفس الموضوع.
أعود إلى خريجينا، وهم في مسرح الجامعة في يوم تخرجهم، وكأني أنظر إليهم تعلو وجوههم ابتسامات الفرح والرضا، والعديد من أساتذتهم يمرون من أمامهم ليأخذوا مقاعدهم في جنبات المسرح. تلك الابتسامات والتحايا عرفان لتلك النخبة على عظيم ما قدموه لطلبتهم، وقد كان بود الطلبة أن هذا كان ممارسة كل الأساتذة وليس بعضهم فقط.
إلى أساتذة الجامعات: أنتم لستم مُلقنين لمادة علمية جافة، ولا يفترض أنكم تؤدون دورا علميا محددا يفتقد إلى الجوانب الإنسانية، بل في الحقيقة أنتم (الإخوة الكبار Big Brothers) والقدوة في تشكيل حياة طلبتكم بعد التخرج، بل وحتى حين ينتظمون في حياتهم العملية.. أرجوكم لا تتجاهلوا هذا الدور المهم، ولا تقللوا من قيمة تأثيركم الايجابي في صياغة مستقبل أجيال واعدة من أبناء هذا الوطن الغالي.. وبالله التوفيق.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store