Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

ما لم يقل عن بوكو حرام

لم يكد المسلمون حول العالم يتنفسون الصعداء بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية التي أضرت بشكل بالغ وغير مسبوق بهم وبسمعتهم وبقضاياهم، حتى بدأت سلسلة من أحداث ومشاهد عنف متتالية (غير مفهومة) أثارت

A A
لم يكد المسلمون حول العالم يتنفسون الصعداء بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية التي أضرت بشكل بالغ وغير مسبوق بهم وبسمعتهم وبقضاياهم، حتى بدأت سلسلة من أحداث ومشاهد عنف متتالية (غير مفهومة) أثارت اشمئزاز ورفض المسلمين قبل غيرهم في كل مكان.. ومن ضمن تلك الأحداث على سبيل المثال عملية التفجير الإجرامية لماراثون بوسطن في ابريل ٢٠١٣، وعمليات التدمير والإعدامات وجز الرؤوس المرعبة التي تقوم بها في سوريا داعش وجبهة النصرة ويتم نشرها وتداولها بشكل واسع ومريب على اليوتيوب وشبكات التواصل الاجتماعي ليراها العالم أجمع دون أن يفهم منها سوى أن من يقوم بها هم “مسلمون، ارهابيون، دمويون”.. وأخيراً تحدث العالم أجمع ولايزال بكراهية واشمئزاز بالغين عن قيام جماعة بوكو حرام النيجيرية باختطاف أكثر من ٢٠٠ طالبة وأخذهن كسبايا.
دعونا في البداية نتفق بأن جميع تلك العمليات وما شابهها هي ممارسات إرهابية واجرامية مرفوضة تماماً ولايمكن تبريرها بأي عذر أو سبب، وأن علينا شجبها واستنكارها والمساعدة بكل الطرق لاجتثاثها والخلاص منها.. لكن ومن ناحية أخرى فإن علينا في المقابل أن نكون أكثر وعياً وفطنة عند تحليلنا لتلك الأحداث والتعامل معها.
أنا لست أبداً من دعاة نظرية المؤامرة التي اعتدنا كثيراً تعليق إخفاقاتنا وكوارثنا عليها، لكني أرى أيضاً أن من الغباء التسليم بكل تلك الأحداث دون تدقيق وتمحيص بإمكانية وجود أيادٍ خفية إن لم تكن هي التي صنعتها فإنها تعمل دون شك على استغلالها بشكل شيطاني للإساءة للمسلمين وترسيخ الصورة السلبية عنهم وربطهم بالعنف والإرهاب.. خذوا مثلاً حالة جماعة “بوكو حرام” التي أشبعناها شجباً بمقالاتنا الصحفية وتعليقاتنا على شبكات التواصل وندد بها علماء الدين ومسؤولو حقوق الانسان المسلمون بما في ذلك منظمة التعاون الاسلامي التي هي أكبر هيئة إسلامية في العالم تمثل ٥٧ دولة.
اقرأوا ماذا كتبت عنها صحيفة نيويورك تايمز في يناير ٢٠١٢ بقلم “جين هارشوفتس” أستاذ التاريخ بجامعة STATE وهو متخصص بالشأن النيجيري منذ عام ١٩٧٠.. المقال حمل عنوان (في نيجيريا بوكو حرام ليست المشكلة)، ويقول فيه:
«على الولايات المتحدة عدم الانجراف في حرب على الإرهاب في نيجيريا بشكل فعلي أو خطابي يجعلها تبدو منحازة لرئيس الدولة المسيحي وتورطها في الحرب الطائفية التي تهدد وحدة البلاد وذلك دون النظر للأسباب الجوهرية الحقيقية للمشكلة.. جماعة بوكو حرام بدأت عام ٢٠٠٢ كمجموعة انفصالية مسالمة، ثم قام بعض السياسيين النيجيريين بتشويه صورتها لأسباب انتخابية، وفي عام ٢٠٠٩ تحولت لاستخدام العنف إثر مقتل مؤسسها وقائدها الشاب محمد يوسف أثناء التحقيق معه بأحد أقسام الشرطة، وقد انتشر على اليوتيوب بشكل مريب فيديو استفزازي لعملية التحقيق، ومع ذلك لم تتم محاسبة أو عقاب أحد على جريمة القتل. وكخطوة انتقامية قامت الجماعة باستهداف مراكز الشرطة والمسؤولين المحليين وجميعهم بالمناسبة مسلمون. الجدير بالذكر أنه في عام ٢٠٠٩ طالب مسؤولون كبار من مدينة ميدرجوري -مركز جماعة بوكو حرام- من حكومة الرئيس عدم استخدام العنف وحده مع الجماعة بل عليها النظر أيضاً إلى المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الطاحنة شمال البلاد. نفس الطلب تم توجيهه للسفير الأمريكي ولكن دون أي استجابة». ويضيف المقال: «لم يتوقف الأمر عند اغفال تلك المطالب، حيث تزايد عنف الجيش بشكل ملحوظ لدرجة أن الناس أصبحوا يخشونه أكثر من خشيتهم لبوكو حرام. ورغم المعاناة الاقتصادية فقد استحوذ الجيش على ٢٥٪ من ميزانية الدولة، كما تواصلت تصرفات الحكومة الاستفزازية بفرضها لحالة الطوارئ ثم رفعها للدعم عن منتجات البترول مما زاد الأسعار للضعف وتسبب في معاناة كبيرة للسكان الذين يعيش ٩٠٪ منهم على أقل من دولارين يومياً وهذا هو السبب الحقيقي لغضب الناس واندلاع العنف.. وربما تتضح بعض ملامح الصورة حين نعلم أنه تم القاء القبض على مسيحي جنوبي يرتدي زياً خاصاً بسكان الشمال المسلم وهو يحاول إشعال النار بإحدى الكنائس، إضافة إلى رصد العديد من العصابات المسلحة التي ترتكب الجرائم ثم تنسبها إلى بوكو حرام وهي لا تنتمي إليها.. خلاصة القول أن العمليات الارهابية في نيجيريا لاينبغي الحكم عليها بسطحية وبساطة».
هذه كانت رسالة صحيفة نيويورك تايمز للولايات المتحدة الأمريكية بأن تكون أكثر حكمة وأن تتجنب السطحية في قراراتها وحكمها على الأمور. هذه الرسالة يحتاج جميع المسلمين أيضاً إليها بحيث يجمعون بين الرفض الشديد للإرهاب والعنف من ناحية، والأخذ من ناحية أخرى بعوامل الحيطة والحذر من أي أصابع خفية -داخلية وخارجية- تعمل بدهاء ومكر للإضرار بهم وتشويه صورتهم في كل مكان، مما يستلزم منهم مواجهتها كما يواجه الإرهاب نفسه.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store