Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الإعلام العربي وسؤال المصداقية

شاركت مؤخراً في إحدى جلسات منتدى الإعلام العربي في دبي وكانت بعنوان “الإعلام العربي وسؤال المصداقية” وكان السؤال المحوري للجلسة هو “هل فعلاً اهتزت مصداقية وسائل إعلام شهيرة بسبب انحيازها المعلن لأحد أ

A A
شاركت مؤخراً في إحدى جلسات منتدى الإعلام العربي في دبي وكانت بعنوان “الإعلام العربي وسؤال المصداقية” وكان السؤال المحوري للجلسة هو “هل فعلاً اهتزت مصداقية وسائل إعلام شهيرة بسبب انحيازها المعلن لأحد أطراف الصراع على السلطة في دول مايسمى بالربيع العربي، وهل أثر الانحياز على مكانتها وانتشارها؟” والمقصود بالمصداقية هو ثقة الجمهور بالوسيلة الإعلامية، ومدى تفضيلها كمصدر للمعلومات والآراء، وهي تتحقق بالالتزام بمعايير الموضوعية والمهنية وبأخلاقيات العمل الإعلامي.
في واقع الأمر فإن الإعلام العربي وعلى مدى عقود عديدة مضت لم يحظَ يوماً بدرجة عالية من المصداقية .. وحتى نكون عادلين فإن الاعلام الغربي بدوره لايخلو من الانحياز الواضح في كثير من قضاياه، كما أن ثقة جماهيره بمصداقيته تشهد انحداراً واضحاً. ففي دراسة أجراها عام ٢٠١٢ Pew Research Center اتضح أن تقييم مصداقية المؤسسات الاعلامية الأمريكية الكبرى انخفض بشكل كبير إلى ٥٦٪ بعد أن كان٦٤٪ عام ٢٠٠٨،وقبلها ٧١٪ عام ٢٠٠٢. هذه الدراسة أجريت على ١٣ مؤسسة إعلامية رئيسية ومنها Newyork Times و USA Today وشبكات التلفزيون وقنوات الكيبل الإخبارية الرئيسية.. للأسف ليست هناك دراسات مماثلة يعتمد عليها لقياس مصداقية وسائل الإعلام العربية.
المقلق في الأمر في اعتقادي ليس مجرد الانخفاض في مصداقية الاعلام العربي، فهذا كما ذكرت ليس بالأمر الجديد، ولكن المقلق هو درجة ذلك الانخفاض وانحداره الشديد أثناء وبعد أحداث الثورات العربية إلى مستوى تحولت معه بعض وسائل الإعلام بشكل صارخ إلى طرف من أطراف الصراع وباتت أقرب إلى “الاعلام الحربي” الموجه للتعبئة والحشد والتجييش مع هذا الطرف أو ذاك. من ناحية أخرى فإننا عندما نتحدث عن المصداقية فإننا لانتحدث فقط عن الوسيلة الاعلامية، ولكن أيضا عن “المتلقي” أو الجمهور، وهنا مكمن قلق آخر، حيث أن المتلقي العربي لم يَبدُ أنه كان مهتماً بما يجري على ساحته الاعلامية من انحياز بقدر اهتمامه بمدى كون هذا الانحياز يدعم ويوافق توجهه وميوله وأفكاره فينحاز هو نفسه تبعاً لذلك مع الوسيلة التي توافق أهواءه ويعادي تلك التي تخالفه. الملفت أن هذا لا ينطبق فقط على عموم الناس ولكن أيضاً على كثير من النخب من مثقفين وأكاديميين وإعلاميين ممن جرفتهم موجة الانحياز فأنستهم دورهم ومسؤوليتهم في قيادة الرأي نحو مافيه مصلحة وخير المجتمع وليس مصلحة وخير حزب أو فئة أو جماعة معينة.
ظهور وانتشار وسائل الاعلام الجديد كشبكات التواصل الاجتماعي والصحافة الالكترونية وبرامج وتطبيقات التواصل المختلفة مثل الواتس آب كان له تأثيرات ايجابية وأخرى سلبية على عامل “المصداقية”، فهي من ناحية ساهمت في رفع سقف الحرية المتاح، كما أن “صحافة المواطن” وانتشارها جعل كل من لديه هاتف جوال ذكي وارتباط بالانترنت قادراً على نشر مايريده من معلومات.. كل هذا ساهم من ناحية في انتشارالشائعات والمعلومات المغلوطة، كما أنه وضع وسائل الاعلام التقليدية بين حدي السبق في نشر الخبر ومدى صدقيته ودقته. هذه الوسائل الجديدة أيضاً وضعت الكثير من الكتاب والاعلاميين تحت ضغط من نوع آخر جديد وهو اللهث وراء شعبوية شبكات التواصل الاجتماعي وزيادة أعداد المتابعين وهذا ما جعل الكثير منهم يسعون دوماً إلى كتابة “ما يراه الجمهور” على حساب “ما يحتاجه الجمهور”.. وقد وصف البعض ذلك بالانتقال من نقيض “تملق السلطة” إلى نقيض “تملق الشارع”.
السؤال الأخير الذي تم طرحه في المنتدى هو هل يمكن للاعلام العربي أن يستعيد مصداقيته التي اهتزت بشكل بالغ؟.
الحقيقة أن هناك كثيراً من الحلول المكررة التي لا يمر يوم دون الحديث عنها، ومنها توعية الجمهور واستقلالية وسائل الاعلام عن مصالح مالكيها، وممارسة الكتاب والمثقفين والإعلاميين والأكاديميين لدورهم المهني والاخلاقي في تجنب الانحياز ورفضه.
والواقع يقول إن كثيراً من هذه الحلول يصعب تحقيقها بشكل كامل وسريع في الظروف الراهنة التي تشهدها المنطقة، لذلك فإني أقترح أن تقوم جهة أو عدة جهات بحثية متخصصة محايدة باستحداث مؤشر قياس للمصداقية الاعلامية Media Credibility Index ونشر نتائجه بشكل سنوي وذلك على غرار مايتم في الغرب، وهذا سيكون أكبر حافز لوسائل الاعلام للالتزام والحرص بأن تكون في رأس قائمة المصداقية وتجنب ظهورهم أمام جمهورهم ومعلنيهم في ذيل تلك القائمة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store