Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

شباب الرجولة

لنكن رجالاً أوفياء , رجالاً صادقين , رجالاً نفي بما تعهدنا به , رجالاً لا نكذب ولا نغش , هذا هو المطلوب منا معشر الرجال , وهنا أتساءل : هل نعلم ما قيمة الرجولة ؟

A A
لنكن رجالاً أوفياء , رجالاً صادقين , رجالاً نفي بما تعهدنا به , رجالاً لا نكذب ولا نغش , هذا هو المطلوب منا معشر الرجال , وهنا أتساءل : هل نعلم ما قيمة الرجولة ؟ وهل نبثها في عقول شبابنا بالمعنى الحقيقي ؟
إن مشكلاتنا في هذا الزمان , كظلام الليل الدّامس ؛ لأنه لا يوجد عند بعض الناس إلا الكفر بالنعمة .. والنِّعمة هي : نعمة الأمان , ونعمة العلم , ونعمة الصحة في الأبدان ومن ضمن هذه المشكلات التي نواجهها في رجالنا وشبابنا ؛ مشكلة نعيشها كل يوم ونتساءل عنها ونحن نراها جميعاً .. كيف أن شبابنا يسرح ويمرح دون غاية ولا هدف ؟ .. قد تكون غاياتهم منحصرة في تحصيل الشهادات الجامعية ؛ وبها يشعر بأنه قد حقق المعجزة , وقد يكتفي بذلك ويرضخ , والسؤال لأبنائنا : هل هانت عليكم أنفسكم حتى تكونوا عالة , وموضعَ إزعاج لأسركم ومجتمعاتكم ؟ أنت بهذا كالدَين , هم بالليل وذل بالنهار , إذن ما قيمة أبنائنا إذا لم يكونوا قرة أعين لنا ؟ وما قيمة الهيئة الجميلة الشَّابة إذا لم تعبر عن جمالها بالعقل الحسن والعمل الدّؤوب ؟ وما قيمة النضارة والحيوية إذا كانت تضيع في الميادين العامة والأسواق التي هي مرتع للعاطلين والشياطين؟
كثير من الآباء يشعرون بأنهم عندما تأتي الساعة التاسعة مساءً ينتابهم قلق واضطرابات نفسية , ولو سألتهم : لماذا أنتم قلقون في هذا الوقت ؟ هل عندكم موعد ؟ فالإجابة أكثر مما تستغرب عندما تلحُّ أنت عليهم بالسؤال فيردون عليك : بأن الابن لم يصل إلى البيت ولم يتصل بالجوال وكذلك البنت ! .. فسبحان الله !! لقد أصبح المسئول سائلاً , والسائل هو المسئول!! وإن الجميع فقدوا التَّبصُّر في أمرهم ! والغريب في هذا الزمان أن المسئول يأتي لك بوقفة تندهش منها , ويقول لك أثناء الحديث الذي تتبادلانه معاً : أخاف أنني لم أعطِ الولد ولا البنت مصروفهم هذا اليوم !! .. مع العلم بأنَّ كلاً منا يعلم أن جيوب أبنائنا قد أصبحت مملوءة بالريالات أفضل من جيوبنا !! .. أفلا تستغرب معي ؟ ومع الأسف فإن أكثر شبابنا يستنزفون في إنتهازية جيوب آبائهم بسحب ما بها من نقود ! لماذا هذا التَّصرُّف البشع ..؟ .. إنهم يريدون إشباع ملذاتهم وحاجاتهم ! شئ غريب ؟! اللهم ثبتنا وثبت أبناءنا برحمتك .
لقد ذكر ابن القيم ـ رحمه الله ـ أمثلة عديدة في هذا الشأن تخص أبناءنا , فنحن دائماً نصيح ونشتكي من تراخي أبنائنا , ولا نسأل أنفسنا عن أسباب هذا التَّراخي , وقد نعرضهم ـ نحن الآباء ـ لهذا التراخي بتصرفاتنا السيئة مع أنفسنا ومع هؤلاء الأبرياء , ألا نستحي نحن الآباء ؟ هل منا أحد سأل ابنه وهو في هذا العمر : كم ادَّخرت اليوم من عملك ؟ ونحن نعلم أن العمل أي عمل ليس فيه عيب ولا ضعف ولا خنوع ولا ذلة , بل على العكس فيه عزة ورفعة لأنفسنا وأنفس أبنائنا , ولو كان العمل فيه نقص لما عمل نبي الله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ برعى الغنم والتجارة , ولما عمل نبي الله نوح ـ عليه السلام ـ بالتجارة , ولما عمل نبي الله داود ـ عليه السلام ـ بالحدادة , عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام .. وهناك أمثلة كثيرة على عزَّة النفس ورفعتها , فما أحلى هذا الكسب من عرق الجبين و كدِّ اليمين , أما الذلّة والضياع والتشرد من وراء كل أمر سهل , فكما أتى سهلاً سوف يذهب سهلاً كما أتى , ولو اطلعت على أسواقنا وشوارعنا في ذروة أوقات العمل لوجدتها مكتظة بفتياتنا وفتياننا يتسكعون ويتلكعون في أسواقنا وشوارعنا ؛ لأن الجيب ـ والحمد لله ـ مملوء بالريالات , واللباس تعجز عن معرفة ( ماركاته )
والأمر لا يخلو من شباب قمة في العطاء واليقظة والكدّ والاجتهاد , وهؤلاء هم قرّة الأعين لآبائهم ولمجتمعاتهم بكل تأكيد .. فكيف نتخلّص من هذه المآزق التي أوصلتنا إلى عنق الزجاجة ؟
فهذه المشكلة ليست لدينا فقط , ولكنني أعتقد بأن معظم دول العالم تعاني من هذا الأسلوب التربوي الخاطئ . فهل من صحوة ؟ وهل من ضمير يدق عندنا نحن الآباء لنربي أبناءنا على كسب أموالهم عن طريق كدّهم وحرثهم وصناعتهم وابتكاراتهم ؟ فالعمل ليس عيباً ولو رجعنا لذوي النّعم لوجدنا أنهم قد تذوقوا في بداية حياتهم الصَّبر والعلقم , ولم يعطهم أحد مصروف جيوبهم , فإذا أردنا أن نتخلص من هذه المشكلة؛ فعلينا بأن نتقي الله ـ عز وجل ـ فيما آتانا من خير ونعمة , وعلينا أن نعوّدهم على الكسب من كدّ أيديهم , وما أحلى وأزكى هذا الكسب من كدّ اليمين , وعلينا أن نؤكد عليهم بالجد والأمانة وصدق المنطق مقروناً بالاجتهاد , فإنهم أمانة في أعناقنا .. فما أحلى أن نسلم هذه الأمانة كاملة غير منقوصة ,.
وما أكثر الطرق التي يجب على الآباء إتباعها في تربية أبنائهم , فهؤلاء في الذمة ولسوف نُسأل عن هذه الأمانة , وما أجمل من كانت ذمته حاملة للوفاء وفعل المعروف فعلينا نحن الآباء أن نتعظ بقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ "
ولنعلم أنه : إذا لم تكن على مستوى من الأمانة ؛ فإن الرجولة لديك .. ناقصة .
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store