Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الأكاديميون: بل نحن بشر.. ولكن!

خلال افتتاحه يوم المهنة في "واشنطن" لهذا العام، صحّح وزير التعليم العالي الدكتور خالد بن محمد العنقري، الاعتقاد السائد بأن من يحصل على شهادة الدكتوراة يكون مؤهلا بـ"الضرورة" ليصبح أستاذا جامعيًا، إذ ف

A A
خلال افتتاحه يوم المهنة في "واشنطن" لهذا العام، صحّح وزير التعليم العالي الدكتور خالد بن محمد العنقري، الاعتقاد السائد بأن من يحصل على شهادة الدكتوراة يكون مؤهلا بـ"الضرورة" ليصبح أستاذا جامعيًا، إذ فنّد تلك الصورة بقوله: "ليس كل من يحمل درجة الدكتوراة مؤهلًا ليكون أستاذا جامعيًا، حيث إن هناك شروطًا يجب أن تتوافر، وتفرضها الجامعات" صحيفة الوطن 26 مايو 2014م.
هكذا إذًا، ولكل المتحاملين على الأستاذ الجامعي، وردًا على مقولة أحد الطلبة، في مقالي السابق عن الأكاديميين "هل أنتم ملائكة؟". كانت رسالة نصية من أستاذ جامعي بها كثير من التألم والتبرير وختمها بقوله: "بل نحن بشر.. ولكن"، وتركني حائرًا فيما يقصده بما بعد "ولكن"، حتى أسعفني تصريح معالي الوزير أعلاه، ولعلي أسهب قليلًا في شرح ذلك من منظوري الشخصي ولا أحمّل الزميل ولا غيره تبعات ما سأسرد أدناه.
دعونا ندرس حالة مجموعة مهمة من أساتذة الجامعات في معظم جامعاتنا، سنجد العلامات الفارقة التالية لطريقة انضمامهم للسلك الأكاديمي كما يلي:
* البعض من الأساتذة: من حديثي التخرج بعد الحصول على الشهادة العليا، وقد يكون متميزًا في تخصصه وحسب.
* البعض منهم من قدماء المحاربين الذين تم استيعابهم من جهات حكومية وأهلية غير أكاديمية بعد حصولهم على شهادة الدكتوراة.
* بعض منسوبي التعليم العام الذين حصلوا على الدكتوراة وانتقلوا إلى الجامعات.
* بعض إداريي الجامعات الذين أكملوا دراساتهم العليا، وتم ضمهم إلى الكوادر الأكاديمية في داخل جامعاتهم.
لا ننكر أبدًا إخلاص الجميع ورغبتهم في المساهمة في دعم الكوادر الأكاديمية. كما لا ننسى أن الجامعات كلها، والناشئة منها على وجه الخصوص تعاني كثيرًا لتوفير كوادر أكاديمية وطنية، بالإضافة إلى المعاناة المستمرة مع كثير من الكوادر الأكاديمية غير الوطنية والتي مبعثها طريقة اختيارهم ومصداقية تأهيلهم. ولكن كل ذلك لا يُبرِّر ضعف قدرة تلك المجموعات الأكاديمية الوطنية التي انضمت إلى الجامعات كشريحة مهمة ومؤثرة في أعداد أعضاء هيئات التدريس بالجامعات واستيعابهم كيفما اتفق.
تقوم معظم جامعاتنا، إن لم يكن كلها، بتنفيذ برامج تأهيل للقادمين الجدد من أعضاء هيئة التدريس ليستوعبوا تفاصيل مهامهم الجديدة كأساتذة جامعات للمشاركة في تأهيل الطلبة. لكن تصطدم هذه البرامج بعوائق من أهمها: عدم إقبال تلك الكوادر على الانتظام والتفاعل فيها، ومردّ ذلك في الغالب إلى الخلفيات التربوية والثقافية لهم أو كبر سن المُنْضمّين الجدد، هذا بالإضافة لأسباب أخرى. لذلك ففي أحسن الأحوال يكون مردود هذه البرامج أضعف بكثير من الهدف الذي وضعت من أجله.
نتوقع أن يزداد الأمر صعوبة مع "القادمين الجدد" من خريجي برنامج خادم الحرمين الشريفين في كافة التخصصات. فالمراقب لما يجري في "أيام المهنة" في واشنطن ولندن، يرى إقبال الخريجين على الانضمام إلى الجامعات السعودية، ويقابل ذلك رغبة الجامعات في استيعاب الكثير منهم. لكن في حقيقة الأمر، أن هؤلاء ليسوا جاهزين البتة ليكونوا "أساتذة جامعات" فور تعيينهم. لذلك يؤكد تصريح معالي الوزير أعلاه -كما أفهمه- على قضايا مهمة، وهي:
* دقة الاختيار من بين حملة الدكتوراة، للتخصصات التي تحتاجها الجامعات لتسد بها النقص لديها، ويتفاوت هذا من جامعة إلى أخرى.
* الرغبة الأكيدة لدى المتقدم للانخراط في العمل الأكاديمي (التدريسي والبحثي والشراكات المجتمعية.. الخ).. للجامعة المتقدم إليها.
* النضوج الشخصي والعلمي والمعرفي لدى المتقدم، الذي يؤمن من خلاله أن العمل الأكاديمي ليس وظيفة كغيرها لكسب العيش فقط، لكنها رسالة سامية لها خصائصها وحقوقها وواجباتها التي تمتد معه العمر كله وليست وظيفة مؤقتة.
* القناعة الأكيدة لدى المتقدم أنه وبرغم "بريق" العمل الأكاديمي، إلا أنه يجب أن يدرك أنه سيواجه الكثير من الصعوبات والعقبات، ليس أقلها الإشراف بصبر شديد على "جيل جديد" من طلبة الجامعات بكل توجهاته وأحلامه، وكذلك صعوبات البحث العلمي والحصول على الدعم له والصبر على ذلك.
وأخيرًا أكرر مقولة معالي الوزير للتذكير بها والتأكيد عليها:"ليس كل من يحمل درجة الدكتوراة مؤهلًا ليكون أستاذا جامعيًا، حيث إن هناك شروطًا يجب أن تتوافر، وتفرضها الجامعات"، عليه فلابد أن تتصدى الجامعات لهذه المهمة بكل اقتدار ومسؤولية، فهي وحدها "المخوّلة" و"المسؤولة" عن أساتذتها استقطابًا وتدريبًا وتأهيلًا.. ولا أحد سواها.. وبالله التوفيق.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store