Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

السعودية في الصيف

في الصيف يتحوّل حال كثير من أهل البلد إلى شيء آخر، طابعه الترحال والسفر، فمنهم من يطلب المسير إلى أهله في القرى والتخوم، وعديد من المدن لقضاء بعض الوقت بين رحابهم، ومنهم من تسافر روحه قبل جسده إلى أر

A A
في الصيف يتحوّل حال كثير من أهل البلد إلى شيء آخر، طابعه الترحال والسفر، فمنهم من يطلب المسير إلى أهله في القرى والتخوم، وعديد من المدن لقضاء بعض الوقت بين رحابهم، ومنهم من تسافر روحه قبل جسده إلى أرض الله الطاهرة، حيث الحرمين الشريفين، فتتبتل نفسه في رحابهما، وبين أروقتهما بالنظر إلى الكعبة المشرفة، والصلاة في روضة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، لاسيما وأننا على عتبات أجواء إيمانية، تفتح فيها السموات السبع أشرعتها لكل يد مبسوطة بالدعاء إلى بارئها، مستجيرة برحمته ومغفرته ورضوانه؛ على أن منهم أيضًا من يبتغي السياحة في ربوع أرض الله الواسعة، راجيًا أن يناله وأسرته فائدة واحدة على الأقل من مختلف الفوائد التي بشر بها الإمام الفقيه محمد بن إدريس الشافعي بقوله:
تغرّب عن الأوطانِ في طلبِ العُلا
وسافرْ ففي الأسفارِ خمسُ فوائد
تفريجُ همٍّ واكتسابُ معيشةٍ
وعلمٌ وآدابٌ وصحبةُ ماجدِ
فإنْ قيلَ في الأسفارِ ذلٌ وغربةٌ
وقطعُ فيافٍ وارتكابُ الشدائدِ
فموتُ الفتَى خيرٌ لهُ من حياتِهِ
بدارِ هوانٍ بينَ واشٍ وحاسدِ
على أنّ الفقيه المالكي القاضي أبوبكر محمد بن الوليد الطرطوشي آثر إلاّ أن يعارض الإمام الشافعي، ويخالفه النظرة والتوجه فيقول:
تخلّف عن الأسفارِ إنْ كنتَ طالبًا
نجاةً ففي الأسفارِ سبعُ عوائقِ
تنكرُ إخوانٍ وفقدُ أحبةٍ
وتشتيتُ أموالٍ وخيفةُ سارقِ
وكثرةُ إيحاشٍ وقلةُ مؤنسِ
وأعظمهَا يا صاحِ سكنَى الفنادقِ
فإنْ قيلَ في الأسفارِ كسبُ معيشةٍ
وعلمٌ وآدابٌ وصحبةُ فائقِ
فقلْ ذاكَ دهرٌ تقادمَ عهدُه
وأعقبَهُ دهرٌ كثيرُ العوائقِ
ولم تستكن روح الداعية الحنبلي المعاصر الشيخ عايض القرني إلاّ باقتفاءِ أثرهمَا، ومساندة الفقيه المالكي في نظرته المتجهمة إزاء ممارسة الترحال حيث يقول:
تخلَّف عن الأسفار إن كنتَ عاقلاً
لبيبًا ففي الأسفارِ عشرُ مـصائبِ
تـذكُّرُ أهلٍ وابـتعادُ أحــبـةٍ
وتشتيتُ أوقاتٍ ووحشـةُ غائبِ
وإتلافُ أموالٍ وإذهابُ راحــةٍ
وإهمـالُ أبـناءٍ وتضييعُ واجبِ
وإرهاقُ جسمٍ وانتقاصُ عبادةٍ
نصحتُ بهذَا بعدَ طولِ التجاربِ
السؤال كيف سيكون حال الإمام الشافعي لو أن عارضًا في الناقل الجوّي اعترضه، وأدّى إلى تأخير رحلته، وتبعثر حقائبه، وفقدان مواعيده، وضياع حقوقه، والأهم ازدياد إحساسه بالقلق والتوتر، هل ستبقى نبرة التفاؤل بيَّنةً في نبض شعره؟!
على أني والحق أقول إن الخطوط السعودية قد بذلت في الآونة الأخيرة -وبخاصة إدارة العلاقات العامة بها- الكثير من الجهود لتسهيل إجراءات كثير من المسافرين، والأهم كان في تفاعلها الإيجابي مع عديد من شكاواهم، واستفساراتهم، وهو أمر تستحق عليه الشكر، وأرجو أن يظل ذلك ديدنهم.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store