Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

التعليم العالي: جامعة الوطن الكبرى!

أثناء حضوري إحدى المناسبات قبل أيام، ومن قبيل المصادفة كان أحد المدعوين جالسًا بجواري - ولا أعرفه- يتحدث عن دور الجامعات، وكيف أنه يتمنى أن تكون كل جامعة مستقلة بأنظمتها، واعتبر أن تفوق الجامعات وتميز

A A
أثناء حضوري إحدى المناسبات قبل أيام، ومن قبيل المصادفة كان أحد المدعوين جالسًا بجواري - ولا أعرفه- يتحدث عن دور الجامعات، وكيف أنه يتمنى أن تكون كل جامعة مستقلة بأنظمتها، واعتبر أن تفوق الجامعات وتميزها لن يظهر ويصبح ذا تأثير في المجتمع وعموم الوطن، إلا إذا استقلت الجامعات بأنظمتها كلها، ابتداءً من تعيين قيادتها، مديرًا وعمداء وغيرهم، إلى آليات الإنفاق المالي والترقيات والبحث العلمي.. و.. و..
أسهب الرجل ولم أشأ أن أقاطعه أو أن أُعلِّق على طرحه لأنني لا أعرفه، ولأن المقام لا يُناسب، فقد كنا نحضر "حفل زواج"!
عدتُ إلى بيتي أسترجع كلام الرجل، وقد استغرقني التفكير فيما قال، وتذكرتُ أن العديد من الكتاب والصحفيين قد كتبوا عن الجامعات ولائحتها الموحدة والرغبة في تحديثها وعن استقلالية الجامعات والحرية الأكاديمية، وكانت هناك أطروحات معقولة وأخرى فيها الكثير من الشطط. لكن كلام ذلك الرجل حفّزني لأن أساهم في هذا الموضوع، ولكن من منظور مختلف مع استصحاب نظرية "نصف الكوب الملآن".
إن عدد أساتذة الجامعات الحكومية يبلغ 54,673 عضو هيئة تدريس منهم 3238 بدرجة أستاذ (موقع وزارة التعليم العالي، مركز إحصاءات التعليم العالي). كما أن أعمار تلك الجامعات مجتمعة منذ تأسيسها يصل إلى ما يزيد على الخمس مئة عام!. ولا ينافسها في منطقة الشرق الأوسط إلاّ جامعة اسطنبول، حيث يزيد عمرها كذلك على الخمس مئة عام، أما جامعتا أكسفورد وكمبردج بالمملكة المتحدة فعمر كل منهما حوالى الثمان مئة عام ولا يزيد أعضاء هيئة التدريس في كل منهما عن عشرة آلاف! أما في الولايات المتحدة، تعتبر جامعة هارفارد الأقدم تاريخيًا، وعمرها حوالى 375 سنة، ولا يتجاوز عدد أعضاء هيئة التدريس بها ألف وتسع مئة أستاذ. جامعة السوربون - باريس بفرنسا يزيد عمرها على سبع مئة عام ولا يتجاوز عدد أعضاء هيئة التدريس بها ألف وثلاث مئة. كلنا يعلم مكانة تلك الجامعات علميًا وبحثيًا، وإسهاماتها الوطنية والعالمية لا تحصى ولا تخفى على مُطّلع، بل إن جُلّ الحاصلين على جوائز نوبل كانوا من تلك الجامعات.
مما سبق نلاحظ أن هناك من أعضاء هيئة التدريس، كتلة حرجة ومؤثرة في تقدم تلك الجامعات العالمية تتراوح بين 2000 إلى 10 آلاف أستاذ جامعي.
بالنظر إلى الواقع الحالي لجامعاتنا مجتمعة، أو ما يمكن أن أُسمّيه (جامعة الوطن الكبرى)، أحسب أن هنالك ما يميزها:
* وحدة الأنظمة واللوائح مما يسهل التعامل بين مقراتها المختلفة وكذلك بين كافة منسوبيها.
* سهولة إيجاد وتشكيل فرق عمل وطنية تخدم التوجهات الإستراتيجية للوطن ومشروعاته الكبرى.
* سهولة إدارة واستغلال الموارد المالية للجامعات (مجتمعة) لحساب تلك المشروعات الوطنية الكبرى.
لكل ما تقدم، فإنني أجزم، ومن منظور (نصف الكوب الملآن) كذلك، أن هناك العديد من الفرص الإستراتيجية الكبرى لهذه الجامعة الوطنية الكبرى. لكن من أهم عوائقها كفاءة مواردها البشرية (54,673 عضو هيئة تدريس)، ففعاليتهم لا تقارن البتة بكفاءة أعضاء هيئات التدريس بالجامعات الدولية المذكورة بأول المقال.
عليه فإنني أقترح أن تتبنى جامعة الوطن الكبرى (الوزارة) مبادرة (10 × 10)، وهي تأهيل عشرة آلاف منسوب من مجموع الخمسين ألف أستاذ على مدى عشر سنوات تدريجيًا، لتولي (مهام أكاديمية بحثية تطبيقية ريادية وطنية)، وتخضع خلالها هذه المجموعة (لبرامج تأهيلية وتطويرية حازمة وطموحة)، للانتقال بهم من مرحلة الاسترخاء والتراخي الحالية، إلى مرحلة التنافسية العالمية، ويصبح بمقدورهم حينذاك أن يشكلوا مجموعات خبرة وطنية في كل مشروعات الوطن الإستراتيجية. كما ويمكن لهم حينذاك أن يكونوا بديلاً لكل بيوت الخبرة الأجنبية التي لا تُقدِّم في الكثير من الأحيان إلا خبرات منقوصة وغير مكتملة الحلول لمشروعات الوطن الكبرى.
أرجو مخلصًا حينذاك أن نرى من بين أهدافنا الإستراتيجية (في ظل وجود تلك المجموعات المختارة) العشرات ممن يحصدون الجوائز العالمية المرموقة، ومن بينها جوائز نوبل، تتويجًا لإنجازاتهم وإبداعاتهم والتي كأني أراها رأي العين.. إن أحسنّا التخطيط.. فكل عناصر النجاح والتميز لدينا متوفرة ولله الحمد.. وبالله التوفيق.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store