Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

كيف يستعيد السوريون الائتلاف الوطني؟

هل يوجد بصيصُ أمل بأن يبادر أصحاب الشأن في الائتلاف الوطني لإصلاحه؟

A A
هل يوجد بصيصُ أمل بأن يبادر أصحاب الشأن في الائتلاف الوطني لإصلاحه؟
لم يعد خافياً أن الائتلاف بحاجة لانتفاضة سياسية وتنظيمية تُعطيه القدرة على تحريك المسار السياسي الراكد، وعلى القيام بمبادرات تضعه في موقع صانع الحدث، وعلى إحداث اختراق سياسي وعسكري مطلوب.
نعم، لا توجد لدى غالبية السوريين قناعةٌ بالائتلاف وأدائه، لكن هذا لايتضارب مع واقعية كثيرٍ منهم حين يتعلق الأمر بوجود الائتلاف ودوره، حتى الآن على الأقل.
فرغم كل مايمكن أن يُقال عن الائتلاف وسلبياته، وهو كثير. ورغم الاتهامات الموجهة له بعدم قدرته على أداء دوره في تمثيل الثورة سياسياً، وهذا صحيح، يبقى الائتلاف، حتى الآن، الجهة السياسية الرسمية التي اعترفت بها دول العالم بشكلٍ أو بآخر. ويظلﱡ الجسم الذي يحمل مسؤولية التمثيل السياسي للثورة.
ربما تكون هذه الحقيقة أكبر تجليات الأزمة التي تواجه الثورة السورية، لكنها تظل حقيقةً تفرضُ نفسها على أرض الواقع.
والحالُ مع هذه الظاهرة لايتعدى خيارين. فإما أن (تَستقيل) الشرائح المؤهلة للتأثير على الائتلاف من هذه المهمة، كما هو حاصلٌ حتى الآن، وتترك الائتلاف على حاله. أو تَخرج من وضع العطالة الراهن، وتُشكِّل (حالة ضغط) شعبية عليه وعلى أعضائه وقيادته، تكون سبباً لانطلاق عملية إصلاحٍ جذرية فيه.
لقد أبدعت الثورة السورية، في مراحلها المتتالية، أشكالاً من الفعل الثوري تُحاول التعامل مع طبيعة كل مرحلة. والواضح أن هذه المرحلة تتطلب درجةً من التنظيم والحشد اللذين يهدفان، حصراً، إلى تشكيل حالة رقابةٍ شعبية حقيقية ومؤثرة على الائتلاف. فيكون هذا نموذجاً آخر من نماذج ذلك الفعل الثوري الجديدة.
نعرف أن البعض أُصيب بالملل لمجرد الحديث في مثل هذه القضية. لكن من المُعيب أن يكون التعامل مع الأوطان وقضاياها بمثل هذه المشاعر.
ثمة مئاتٌ، إن لم يكن أكثر، من النشطاء الذين أشعلوا الثورة وكانوا طليعتها الأولى، وفي هؤلاء مثقفون وكتاب وفنانون وأدباء، من الغريب ألا يكون لهم دورٌ في هذه المرحلة. ومن غير المقبول أن يحصلَ هذا بدعوى أن الائتلاف وأهله لايريدون لهم ذلك الدور، سواء كان هذا مقصوداً أو عن تقصيرٍ وإهمال.
فالائتلاف في نهاية المطاف ليس مُلكاً لأعضاء الائتلاف ولا لقيادته، وإنما هو مُلكٌ لسوريا وثورتها ونُشطائها وأهلها. وإذا كان هذا الكلام، في نظر البعض مثالياً وطوباوياً، فإن هذا لايغير الحقيقة المذكورة، وإنما يُعبر عن (رجعيةٍ) تعود بنا للوقوع في فخ ثقافة السلبية واليأس التي يُفترض أن الثورة قامت عليها، قبلَ أي شيءٍ آخر.
لا مشاحة في الاعتراف بأن المعارضة السياسية السورية بجميع أطيافها ومكوناتها لم تكن مستعدةً لأداء مهمةٍ بحجم المهمة التي باتت، فجأةً، مسؤولةً عن أدائها. فكلنا يعلم طبيعة الظروف التي كانت تعمل فيها على مدى العقود الماضية. وثمة فارقٌ كبير بين القيام بدور (المعارض) على الطريقة التي كانت سائدةً في سوريا ماقبل الثورة، وبين دور القيادة السياسية لثورةٍ فرضت نفسها كواحدةٍ من أعظم ثورات التاريخ.
ولانبالغ إذا قلنا أن الدور الذي نتحدث عنه من أصعب الأدوار التي يُطلب أداؤها على مستوى العمل العام.
من هنا، لايكون مُعيباً إذا تواضعت المعارضة السورية واعترفت بصعوبة المهمة الملقاة على عاتقها. فهذا الاعتراف علامةٌ صحيةٌ يمكن أن تكون أول خطوةٍ فعلية في تشكيل قدرتها على أداء دورها المطلوب. ولاحاجة للمكابرة والادّعاء في مقامٍ لايحتاج إلى مثل هذه الممارسات. وسيكون الشعب السوري أول من يتفهّم هذه الحقيقة، ويحترم القائلين بها، ويعود لإعطائهم المشروعية المطلوبة.
هناك حاجةٌ ملحةٌ لأن يغادر جميع الساسة المعارضين السوريين اليوم، خاصةً في الائتلاف، إقطاعياتهم و(كانتوناتهم) التنظيمية والأيديولوجية. فالسياسة بالتعريف السائد هي فنّ الممكن. والممكنُ في الواقع السياسي السوري المعاصر يفرض عليهم جميعاً الخروج من نفق المماحكات القاتلة المتعلقة بتمثيل السوريين وثورتهم، والتي تكاد تغرقهم وتُغرق الثورة إلى الأبد.
لاتوجد ملائكةٌ تمشي على الأرض في هذه الدنيا، فلاتخطىء في حسابٍ أو تحتاج لمراجعة موقف أو إعادة النظر في رؤيةٍ مُحددة أو سياسةٍ بعينها.
من الطبيعي إذاً لأي جماعة أو فرد أو هيئةٍ أن تُخطىء أو يخطىء في الحسابات أو في السياسات أو في المواقف، أو في ذلك كله. وهذا يصدقُ على الائتلاف في زمننا الراهن كما لايصدق على جهةٍ أخرى مسؤولةٍ أمام شعبها وبلادها.
هذه حقائقُ تعرفها جميع الأطراف، ومن مصلحة السوريين جميعاً أن يبني عليها أصحابُ العلاقة داخل الائتلاف، وخارجه في أوساط الثورة والمعارضة، أساساً لنقلةٍ جديدة في عمل الائتلاف خلال المرحلة القادمة.
هذا ليس واجباً سياسياً وأخلاقياً فقط، وإنما هو أيضاً دليلُ نضجٍ سياسيٍ وثقافيٍ للسوريين، خاصةً لمن منهم تصدى لمواقع المسؤولية.
لم يعد المرء يعرف، حقيقةً، مَن يشعر بتلك المسؤولية في أوساط الائتلاف، ومَن يُدرك طبيعتها وحجمها وتَبِعاتها أمام الله والتاريخ والشعب والوطن. وإذا كان هناك من يَسخر حتى من مثل هذا الحديث، فإن هذا لا يُلغي حقيقة أن هؤلاء سيواجهون تلك التَبعات بشكلٍ أو بآخر.
نشك حقيقةً في أن يتمكن الائتلاف من إصلاح نفسه بنفسه. ولابد من تدخلٍ خارجيٍ يقوم به أصحاب الشأن من السوريين. ومن هنا تحديداً تظهر الحاجة الماسة اليوم لزيادة جرعة الرقابة الشعبية على الائتلاف بأشكال مختلفة. ليس فقط من قبل الإعلاميين والمثقفين والساسة خارج إطاره، وإنما أيضاً من السوريين جميعاً، لأنهم أصحاب الحق قبل غيرهم في طرح الأسئلة والحصول على الإجابات.
لم يقم السوريون بثورتهم، ولم يقدموا كل تلك التضحيات، ليصلوا إلى مرحلةٍ يُضحي فيها الائتلاف سبباً لليأس والانسحاب والسلبية في صفوفهم. ولن يكون كثيراً عليهم، بشيءٍ من الحكمة والتخطيط، أن يُلزموا هذا الجسد السياسي بالقيام بدوره المطلوب، أو يزيلوه من طريق الثورة مرةً واحدة وإلى الأبد.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store