التعقل في إصدار القرار

يواجه الكثير منا مصاعب جمَّة في اتخاذ قراراتهم الحاسمة , فإذا كنا من أصحاب اتخاذ القرار , ومنَّ الله ـ عز وجل ـ علينا بهذه المكانة , ووهب لنا عقلاً ومعرفة , فعلينا أن نفكر بهما ملياً , وأن يكون هذا الفكر مصحوباً بمخافة الله ـ عز وجل ـ فإذا كنَّا من هؤلاء فنقول حينئذ ؛ إننا قد أصبحنا من متَّخذي القرار الصائب , فالقرارات مع مواقفها تختلف من موقف إلى آخر , خاصة لو أصبحنا من متَّخذي القرارات الاستراتيجية فيجب أن نتقي الله ـ تبارك وتعالى ـ في أنفسنا أولاً , ونتقي الله ـ عز وجل ـ فيمن نتخذ في شأنهم قرارات , وعلينا ألا نكون متعجِّلين , متسرعين , متشوقين , متعطشين لاتخاذ القرارات لذاتها فقط , فإذا كنَّا من هذا الصنف فسيأتي اليوم الذي نعضُّ على أناملنا ندماً , نتيجة اتخاذنا القرارات السَّريعة المتعجلة ؛ لأن الحياة مبنية على أنها رقيب لك ومُراقِب عليك .. فلا تتعجَّل لئلا تندم .
فأصحاب القرارات يجب أن يتحلوا بالصبر والحنكة والدراسة والمشورة , ولا يغفلوا عن مخافة الله ؛ لئلا يقعوا في فخِّ العظمة , وعلينا أن نتخذ الحِلم صفة لأنفسنا .. وكما قال الشاعر :-
وَ في الحِلْم وَقَارٌ وللعفو جُنَّةٌ وفي الصِّدق مَنْجاةٌ من الشَّر فَاصْدُقِ
وعلينا بأخذ الحيطة والحذر من بعض المستشارين لدينا ؛ لأنهم قد يضعوننا في مواقف حرجة وتحت رحمة أهوائهم الخاصة , حيث إنَّهم قد يقدرون الأمور بطريقة متعجلة أحياناً , فنحن ـ أصحاب القرار ـ يجب أن نميّز وأن نتحرى الحقائق وأن نقف عليها , وعلينا أن نقيم الحجة ونوضّح الشبهة , حتى نصل إلى إدراك الحقيقة وتبيانها , وألا تكون قراراتنا مناقضة للواقع , حتى لا نتهم بالخضوع لضغوط الغير علينا , وألا يقال عنا : ليتهم تبصروا في اتخاذ القرار , فإذا حدث هذا فإن النقص فينا وقد نندم ولكن لا ينفع .. فيجب أن نتبصر ونتثبت .
فإذا مُحِص القرار وتمَّت الدراسة من جميع جوانبها , وراعينا فيها المصلحة العامة التي هي المرحلة السامية لتحقيق أسمى غايات الرُّقي ؛ فحينئذ سوف نتخذ القرار المناسب , ولا نغفل عن بُعد النظر في اتخاذ القرارات , وعلينا أن نبحث عن المصلحة العامة , وحينئذ سوف نوفَّق بإذن الله ـ تبارك وتعالى ـ إلى القرارات الصائبة .. فكل منا راعٍ وكل منا مسئول عن رعيته .
فيا أيها الرؤساء : اتقوا الله ـ تبارك وتعالى ـ فيمن أولاكم الله ـ عز وجل ـ رئاستهم , ونوصي المرؤوسين على أن يتقوا الله ـ عز وجل ـ فيما يُوكل إليهم من أعمال , وعليهم بالإخلاص وإتقان ما يصنعونه , وأن يجعلوا مخافة الله نصب أعينهم , فإذا فعلوا فسوف يكسبون محبة الله ـ عز وجل ـ لهم , وعليهم أن يعطوا المعلومات بإخلاص ودون تحاسُد ولا مكر , وأن ينزِّهوا ضمائرهم عن الغِل . وعلينا أن نتجنب اصدار القرارات المنفردة والمتعجلة ، فالمشورة فيها خيرٌ كثير ، وعلينا أن نتجنب عظمة الإدارة .. وكما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ما خَابَ من استخار ولا ندم من استشار ).
وحكمة الشاعر تقول :
لا تكُنْ عَجِلاً في الأَمرِ تطلُبُهُ فَلَيس يُحْمَد قبْلَ النُّضْجُ بُحرانُ
إننا لو أصدرنا قراراتنا بعقل وحنكة فسوف نسمو عن الظلم والرذائل , وسوف يشد كلٌ منَّا أزر صاحبه من أجل الرُّقي بمؤسساتنا ومجتمعاتنا , وسوف نصبح مجتمعاً خالياً من الشوائب والظلمات , فيا أيَُها المرؤوس اتَّق الله فيما يُوكل إليك , وكن صادقاً مع من يكلّفك عملاً ما , التكليف في حد ذاته نوع من أنواع الأمانات ؛ والمكلَّف مأمون , واحذر أيها المكلَّف الغش مع مَن تتعامل معهم ؛ فإنَّ الغش ظلمات , واعلم أنَّه لن ينفعك إلا عملك الذي أتقنته , وما أنجزته سوف تُذكَر به , فهذا تاريخ لك فاطلب التاريخ الخالي من الشوائب يبارك الله ـ عز وجل ـ لك في سمعتك .
اللهم جنبنا ظنَّ السوء ووسوسة الخنَّاس من الجنّة والناس .. اللهم اجعل عواقبنا خيراً .
ولنعلم أنَّ :
التعجل في القرار يصحبه الندم ..
والتَّريُّث في القرار يجب أن تصحبه الحكمة ..
وما صَبَر رجل إلا ظفر ..
وما تعجَّل رجل إلا ندم ..