Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

التعليم العالي .. وحيرة خريجي الثانوية!

في مثل هذه الأيام من كل سنة، يتناول الكتاب والصحفيون موضوعاً "ساخناً" ومهماً (يحدد مصير المستقبل لفلذات أكبادنا)، يدلي كل منهم بدلوه فيه.

A A
في مثل هذه الأيام من كل سنة، يتناول الكتاب والصحفيون موضوعاً "ساخناً" ومهماً (يحدد مصير المستقبل لفلذات أكبادنا)، يدلي كل منهم بدلوه فيه. فمنهم المؤيد والداعم للتعليم العالي ومؤسساته، وآخر ناقد بل ناقم أحيانا على تلك المؤسسات وثالث يُنَظّر في فراغ. أما الطلبة وأولياء أمورهم فقد بلغت القلوب الحناجر، ولم يتبق إلاّ تلك الرمية في يد الرامي لعل وعسى أن تصيب هدفها ويلج الطالب بوابات الجامعة في التخصص الذي تمناه وتمنته كل عائلته له. ومنذ سنوات رضي الطلبة وأولياء أمورهم بالتجديد الذي استحدثته مؤسسات التعليم العالي بأن وضعت "السنة التحضيرية" بوابة أولى للدخول إلى التخصص المطلوب، ولا سبيل إلاّ بتخطيها أولا.
هذا هو حال ثقافتنا المجتمعية تجاه التعليم مابعد الثانوي. لقد أصبح من المسلمات التي لاتقبل الجدال أن "كُلّ" خريجي الثانوية يجب أن يلتحقوا بالجامعة ولا شيء سوى الجامعة. وترسخ كذلك في ثقافتنا أن هذا هو "موسم الحصاد" وموسم شد الأعصاب والضغط النفسي، الذي لابد أن تمر به كل عائلة لديها خريج أوخريجة من الثانوية العامة. لذلك تعاني كل مؤسسات التعليم العالي من الضغوط المجتمعية الكبيرة التي في كثير من الأحيان، تفوق حد التحمل، مما يترتب عليها الدفع بقبول كل من نال الشهادة الثانوية في الجامعات. ويضطر مسئولو التعليم العالي من خلال كل وسائل التعليم المتاحة إلى دفع التهمة عن مؤسساتهم حيال قبولهم للواسطات والشفاعات.
الكل في حيرة: الطلبة وأولياء أمورهم ومسئولو التعليم العام والعالي، وكتاب وصحفيو الإعلام بأنواعه . . بل الدولة كلها مجبرة على أن تتعايش مع كل هذه الحيرة وأن تتفاعل معها.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل من سبيل للخروج من هذه الحيرة المقلقة . . ؟ إلى متى نبقى أسرى لثقافة مجتمعية متأصلة ومتجذرة في النفوس، تزرع فيها القلق والحيرة والغموض ؟ وإلى متى لانرى مستقبل أبنائنا وبناتنا إلا من خلال ثُقب "الجامعات" الضيق!؟ هل هناك مخارج أخرى أوسع وأرحب؟ وهل هذه المخارج مضمونة ومأمونة النتائج في رعاية مستقبل أبنائنا وبناتنا بعد أن يتخرجوا منها ليكونوا شركاء حقيقيين وبناة في منظومة الوطن الكبرى، ويحققوا من خلالها طموحاتهم وأمنيات والديهم؟
وسؤال آخر: هل زمن الحيرة هذا الذي يقلقنا، تعيشه منظومات التعليم والمجتمعات في دول مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا وسنغافورة والسويد مثلا؟ أم أن التعليم مابعد الثانوي استقرت أطره وأصبح جزءا من التطور الطبيعي للعملية التعليمية للبلد ويتقبله ويعمل بأنظمته الطلبة وأولياء أمورهم؟ أظن أن الاجابة أوضح من أن تذكر.
قبل أيام عدة عُقدت ورشة عمل مشتركة بين التعليم العام ومؤسسة التعليم المهني، وهي خطوة جيدة في سبيل إيجاد الحلول ، ولكن كان ينقصها في نظري اكتمال مثلث الشراكة بوجود التعليم العالي ممثلا في مثل هذا اللقاء. إن التعليم المهني هو المخرج الأوسع والأرحب لطلبتنا، وهو المطلب الاستراتيجي للعمل في بلدنا، فبالاعتماد على منظومة التعليم المهني وصلت دولة مثل ألمانيا إلى ماوصلت إليه من تطور علمي وصناعي، بل وأصبح الطلبة الألمان يسعون ويتنافسون على الالتحاق بالمعاهد المهنية الألمانية. لكن في الحقيقة , إن لتلك المعاهد المهنية من المكانة والرقي ما يجعلها تنافس الجامعات هناك، من حيث التخصصات، والبيئة الأكاديمية، وتأهيل أعضاء هيئة التدريس، وجودة البحث العلمي والاكتشافات العلمية. فهي ليست مكاناً لقبول كل من لم يحالفه الحظ لدخول الجامعة كما هو واقعنا.
إن التعليم المهني هو الأفق الأوسع والأرحب لطلبتنا، لو تمكنا من العمل بجدية على تغيير ثقافتنا المجتمعية السلبية تجاهه, ولن يحدث هذا أبداً والتعليم المهني بكل مؤسساته يغرد خارج سرب "التعليم العالي"، وحين يصبح جزءاً من منظومة التعليم العالي ستبدأ قناعات المجتمع بالتغير، وسيصاحبها كذلك تغير جذري في مناهج وأداء كامل المؤسسة التي لاترقى بوضعها الحالي في نظري لأن تُخرّج كفاءات وكوادر بشرية تخدم البلد بحرفية ومهنية عالية.
لأجل طلبتنا القادمين إلى الحياة بشغف وطموح: يجب أن نعمل من أجل التغيير والتطوير . . ولندعم بإصرار للدفع بقوة لكي يصبح التعليم المهني جزءاً من منظومة التعليم العالي، حينها تصبح معاهده منارات علم تزخر بالكفاءات وتنافس بالتخصصات والمهن وتفاخر بجودة المخرجات، ليس هذا فحسب بل تعيد التوازن لسوق العمل في تناغم مع وصيفاتها الجامعات (ألسنا جميعا حينها نكون تحت مظلة واحدة ترسم سياساتنا وتحدد أدوارنا وأهدافنا وتراقب أداءنا وتقومه؟), وحين يحدث ذلك - ولعله يكون قريبا - ستزول حيرتنا المجتمعية الموسمية. .
وبالله التوفيق
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store