ماء الرجيع .. وادي الرجيع مكانان متباعدان ولكل منهما حدث تاريخي

الرجيع على وزن فعيل، ورجيع الشيء: رديئه، والرجيع: الرّوث، وكل شيء يردّ فهو رجيع لأن معناه مرجوع، والرجيع ماء لهذيل لبني لحيان بين مكة وعُسفان وهو أقرب إلى عُسفان، وهناك سرية ربطت بهذا الموضع الذي غدر فيه رهط من قبيلتي عضل والقارة، حيث جاء لهم مجموعة من بني لحيان وجعلت لهم جُعلاً ليخرجوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطلبوا منه أن يُخرج معهم من يدعوهم إلى الإسلام ويفقهم في الدين، فيمكّنوا لهم ويأسروهم ويصيبوا بهم ثمناً في مكة ، وهكذا بعث الرسول صلى الله عليه وسلم هذه السرية التي تتألف من عشرة من الصحابة وجعل عليهم عاصم بن ثابت بن الإفلح أميراً حتى إذا كانوا بين عسفان ومكة أغار بنو لحيان، وهم قريب من مائتي مقاتل، فألجأؤهم إلى تل مرتفع بعد أن أحاطوا بهم من كل جانب، ثم أعطوهم الأمن من القتل، ولكن قائد السرية أعلن رفضه أن ينـزل في ذمة كافر، وقال عاصم بن ثابت: إني نذرت ألا أقبل جوار مشرك أبداً، فجعل عاصم يقاتلهم، فرماهم بالنبل حتى فنيت نبله، ثم طاعتهم بالرمح حتى كسر رمحه، وبقي السيف فقال: اللهم حميتُ دينك أول نهاري فاحم لي لحمي آخره! وكانوا يجرّدون كل من قتل من أصحابه، فكسر غمد سيفه ثم قاتل حتى قتل، وقد أرادت هذيل أخذ رأس عاصم ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شُهيد، وكانت قد نذرت حين أصاب ابنيها يوم أحد: لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن في قحفِهِ الخمر، فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبر فحمته، فلم يقدروا منه على شيء. كما قتلوا عامتهم واستأسروا خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة. وباعوهما بمكة فاشترى خبيباً بنو الحارث بن عامر بن نوفل، وكان خبيب قد قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فمكث عندهم أسيراً حتى إذا أجمعوا على قتله خرجوا به من الحرم ليقتلوه، فقال: « دعوني أن أصلِّ ركعتين» فأعطوه ما أراد،ففعل، ثم انصرف إليهم فقال: لولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لزدت». فكان أول من سن الركعتين عند القتل هو، ثم قال: « اللهم أحصِهِم عدداً واقتلهم بدداً ولاتُبقِ منهم احداً، أما زيد بن الدثنة فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه، أمية بن خلف، وعندما أخرجوه من الحرم إلى التنعيم ليقتلوه، اجتمع رهط من قريش فيهم أبو سفيان، فقال أبو سفيان حين قدم ليقتل: « أنشدك الله يا زيد، أتحب أن محمداً عندنا الآن في مكانك نضربُ عنقه، وأنك في أهلك؟ قال: « والله ما أحبُّ أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبُه شوكة تؤذيه وإني جالس في أهلي، فقال أبو سفيان: « ما رأيت من الناس أحداً يحبُّ أحداً كحب أصحاب محمد محمداً، ثم قتله نسطاس مولى صفوان. وقد عرفت هذه الحادثة المفجعة بالرجيع نسبة إلى ماء الرجيع الذي حصلت عنده، وهناك موقع آخر لمسمى الرجيع وهو وادي الرجيع يقع شمال خيبر اتخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقراً للقيادة أثناء غزوة خيبر الفتح الذي سرّ به الرسول صلى الله عليه وسلم وقد مكث في هذا الوادي ما يقارب عشرين يوماً وهو وادٍ لازال معروفاً بهذا الاسم، وقد روى ابن سعد في خبر استشهاد عامر بن الأكوع في خيبر: « فحمل إلى الرجيع فقبر مع محمود بن مسلمة في قبر في غار بالرجيع». ويلاحظ كثرة الغيران والكهوف بالحرار التي تحيط بوادي الرجيع بخيبر.