Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

المليحة والخمار الأسود

هناك قصة حقيقية، يُقال إن أحداثها جرت في القرن الهجري الأول في المدينة المنورة، بطلها رجل، وشاعر، ومجموعة نساء، أمّا الرجل فهو بائع متخصص في بيع الخُمر (جمع خمار، وهو ما تتغطى به المرأة)، حيث كان ل

A A

هناك قصة حقيقية، يُقال إن أحداثها جرت في القرن الهجري الأول في المدينة المنورة، بطلها رجل، وشاعر، ومجموعة نساء، أمّا الرجل فهو بائع متخصص في بيع الخُمر (جمع خمار، وهو ما تتغطى به المرأة)، حيث كان لديه مجموعة من الخُمر ذات اللون الأخضر، والأبيض، والأحمر، والأسود. واللون الأسود هو الكمية الكبيرة من البضاعة، فأتى النساء فأشترين منه كل الألوان إلاّ اللون الأسود، فكسدت بضاعته ولم يربح، فمرّ عليه شاعر فوجده حزينًا فقال له: ما لي أراك حزينًا؟! قال: لقد كسدت بضاعتي، والأمر كما ترى، لقد أحاطت الخسارة بي من كل جانب بسبب اللون الأسود، حيث نساء المدينة لا يرغبن في شراء الخمار الأسود، قال له: لا عليك يا أخي، سأقول لك أبياتًا من الشعر، فخذها، وأنشدها، وغنّها، واطرب المجتمع بها، وأخذ يقول:
قل للمليحة في الخمار الأسود
ماذا صنعت بزاهد متعبد
قد كان شمّر للصلاة ثيابه
حتى وقفت له بباب المسجد
ردي عليه صلاته وصيامه
لا تقتليه بحق دين محمد
فانتشرت الأبيات بين نساء المدينة، وأخذن يغنينها، فأقبلن بعد ذلك إلى بائع الخُمر، وشرين جميع الخُمر السود التي عنده، حتى نفدت الكمية كلها، وأخذن يتباهين بلبس الخمار الأسود على بقية الألوان، فالعقول لها مداخل، ومداخل عقول الرجال النساء، بينما مداخل عقول النساء الأسواق، وهذا ما يحدث اليوم في عالم تسويق البضائع والمنتجات؛ ولأن المرأة اليوم هي المعنية في التسويق أكثر من الرجل، وتلك طبيعة تخصصية حتى أن بعض الرجال ليس لديهم مهارة تسويقية فيكلون شراء كل شيء بما في ذلك حاجاتهم إلى زوجاتهم، فالإعلانات التسويقية تحمل فيما تحمل الترويج، والتحسين، والدعاية، وغير الحقيقة أحيانًا، واليوم هناك دراسات نفسية واجتماعية عند كثير من الشركات المنتجة للتآمر على هذا المستهلك المسكين؛ للتغرير به في شراء البضاعة من حيث الجودة، أو من حيث السعر خاصة عروض شراء المواد الاستهلاكية والغذائية التي أوشكت على انتهاء صلاحيتها ومخزنة في المستودعات لبيعها قبل رمضان، أمّا أثناء رمضان وقبل العيد فتظهر معه إعلانات كثيرة على غرار إعلان الخمار الأسود أيام زمان في المدينة، وتتملك بطريقة لا شعورية قلوب الناس خاصة السيدات فيقبلن على الشراء، بالإضافة إلى عروض إعلانية تستهدف الجيب من خلال "الماركات"، فالعقول أسرار، فناس تبدع في عرض بضاعتها والدعاية لمنتجاتها من خلال عقولها، وناس تبيع عقولها من خلال شرائها واقتنائها لأشياء كمالية غير مستحقة الشراء أو الحاجة، فالعقول أسرار كما القلوب أسرار.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store