Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

وغاب محرر العقل

في كتابه "على مشارف القرن الخامس عشر" استشرف المفكر الإسلامي السيد إبراهيم الوزير -يرحمه الله- كثيرًا من إشكالات مجتمعنا الإسلامي على النطاق الفكري والسلوكي، فشخّص بأسلوب رصين عديدًا من مآزق أمتنا الف

A A
في كتابه "على مشارف القرن الخامس عشر" استشرف المفكر الإسلامي السيد إبراهيم الوزير -يرحمه الله- كثيرًا من إشكالات مجتمعنا الإسلامي على النطاق الفكري والسلوكي، فشخّص بأسلوب رصين عديدًا من مآزق أمتنا الفكرية، وأبان بمنهجية علمية دقيقة مكامن الخلل في حياتنا السلوكية والاجتماعية والإنسانية. وهو ما بتنا نعيش نتائجه السلبية على الساحة العربية إجمالاً، التي احتقنت فيها الأذهان والنفوس بالكثير من شوائب الصراع الطائفي المقيت، وامتلأت بعض شوارعه بأنهار من الدماء البريئة، التي لا يعرف أصحابها بأي ذنب قتلوا، ولأي سبب قطعت أجسادهم، ومُزقت أطرافهم.
في ذلك الكتاب وفي غيره من كتبه القيِّمة، بل وفي مختلف أحاديثه المتنوعة، كان دائم التحفيز لنشر ثقافة الحوار، مشددًا على أهمية تمكين العقل وفسح باب التأمل والتفكير، مصداقًا لقوله تعالى في كثير من آياته (لقوم يعقلون، لقوم يتفكرون، لقوم يفقهون، لقوم يعلمون). مؤكدًا على أهمية الدور الحيوي الذي يقع على كاهل المفكرين، الذين يجب عليهم أن ينيروا الطريق لغيرهم، ويتصدّوا لكل من يعمل على تزييف الحقائق.
على أن أكثر ما أرَّقه وكان شغله الشاغل، هو البحث في أسباب تأخر المسلمين، العائد -بحسب رأيه- إلى ضعف مناعتهم بالدرجة الرئيسة، نتيجة تخلفهم الفكري، وإهمالهم الأخذ بقوانين السنن الكونية. ناقمًا في كثير من آرائه على بعض أنماط تفكير عدد من العلماء المسلمين، الذين انحصر تفكيرهم بحسب قوله وفق ثلاثة أنماط هي:
1) النمط البقري الشكلي الذي انغمس فيه بنو إسرائيل حين أمرهم الله بذبح بقرة، حيث لا يلتفت أصحاب هذا التوجه إلى مقاصد الدين الحنيف، وقيَمَهُ الكبرى حين التوجيه والتشريع.
2) النمط الكهفي التقليدي الذي لم يُمكِّن أهل الكهف من التعامل مع المتغيرات الجارية، فآثروا الموت على الحياة، وكذلك الحال -من وجهة نظره- مع بعض العلماء المسلمين، الذين تقوقعوا في أفكار من سبقوهم بغض النظر عن مدى ملاءمة تلك الأفكار مع المتغيرات الحالية.
3) النمط الآبائي، وهم الذين تمسكوا بأقوال من سلف، وألزموا الناس بأحكامهم، ولم يعملوا اجتهادهم المبني على فهمهم المعاصر لواقع الحياة المعاشة من منظور مقاصدي واقعي.
لقد عاش السيد إبراهيم الوزير طول حياته وفيًّا لأفكاره التي آمن بها، متصالحًا مع نفسه وعقله، فلم يكن ليأمر بشيء ويخالفه واقعًا، ولم يكن ليكتب أمرًا ويأتي بعكسه. وتلك هي خصيصة العلماء الربانيين، الذين تراجع دورهم أمام حالة الصخب والضجيج الصادر عن عدد من الدعاة، الذين حجبوا الناس عن معرفة مقاصد الشرع الحنيف، فكانت النتيجة أن تكبلت عقولنا بكثير من الأصفاد، وسيطر على أذهاننا خطاب إقصائي مقيت، وحرك أجسادنا نفس داعشي بغيض.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store