Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

هل إمبراطورياتنا الإعلامية نمور من ورق؟

سأبدأ مقالي هذا بإيضاح موقفي الرافض لمقولة أن “الريموت” في يد المشاهد يختار القنوات التي يريد ويرفض أو حتى يحذف ما لا يريد.

A A
سأبدأ مقالي هذا بإيضاح موقفي الرافض لمقولة أن “الريموت” في يد المشاهد يختار القنوات التي يريد ويرفض أو حتى يحذف ما لا يريد. فهذه المقولة تضع كامل المسؤولية على الناس كبيرهم وصغيرهم ومتعلمهم وجاهلهم، وتفترض وعيهم جميعهم وقدرتهم على تقييم القنوات التلفزيونية التي تدخل منازلهم حجرة حجرة ومن ثم اختيار المناسب منها وتجنب غير المناسب. كما أنها من ناحية أخرى تعفي القنوات التلفزيونية من أي التزام أخلاقي ومسؤولية اجتماعية حيال المحتوى الذي تعرضه.. ويصبح الخطر مدمراً لقيم المجتمع وأخلاق أجياله بشكل متزايد عندما تسيطر العقلية التجارية على تلك القنوات وتصبح هي المعيار الوحيد الذي يتم به تقييم البرامج المعروضة. أنا لا أعفي هنا المشاهد من المسؤولية، خاصة رب الأسرة الذي ينبغي عليه أن يكون قريباً من جميع أفراد أسرته ويعمل على تثقيفهم وتربيتهم بشكل يمكنهم من الحكم والتفريق بين الصالح والطالح من البرامج، لكن وحتى نكون واقعيين فإن هذه ليست مهمة سهلة خاصة مع الانتشار الكبير للفضائيات وتعدد وسائل وأماكن مشاهدتها بشكل يجعل من الصعب على رب أي أسرة متابعة كل ما يشاهده وما لا يشاهده أبناؤه وبناته.
من أجل كل ذلك فإني أعاود التأكيد على المسؤولية الأخلاقية والوطنية للقنوات التلفزيونية التي أصبح لها تأثير كبير جداً على أفكار وسلوك المشاهدين وبشكل خاص صغار السن منهم. وبكل أسف فإننا لو نظرنا على سبيل المثال إلى ما يتم تقديمه خلال شهر رمضان المبارك تحديداً من برامج كوميدية -خاصة تلك التي يتم عرضها بعد آذان المغرب مباشرة- فإننا نجدها أقرب ما تكون للتهريج الخالي من أي معنى ومضمون، كما أن بعضها يعمل على ترسيخ صور سلبية عن المجتمع السعودي نسائه ورجاله، ومن ذلك مثلا دأب أحد تلك البرامج على تقديم المرأة السعودية بصورة الإنسانة قبيحة الشكل وهمجية الطباع، في حين يقدم الأخريات بصورة الجميلات الرقيقات. هذه الصورة لا يتم تقديمها بشكل عابر في حلقة واحدة، بل بشكل متواصل أصبح يتكرر في أكثر من برنامج كوميدي وعلى مدى سنوات من عمر ذلك البرنامج وغيره. أنا هنا أؤكد بأني لست ضد الترفيه والكوميديا التي تجلب السعادة والمرح للنفس، بل أني مع أهميتها وحاجتنا الماسة لها، فالترفيه بحد ذاته هدف مطلوب وليس من الضرورة أن يحمل دائماً رسالة اجتماعية أكثر من كونه يدخل السعادة والمرح لنفس المشاهد. ولكن غير المقبول هو قيام قنوات ذات شعبية عالية باختيار برامجها الكوميدية وفق معيار واحد هو درجة “التهريج” أو الاعتماد على المياعة المصطنعة لبعض الممثلات ... لا أحد يجحد حق تلك القنوات برفع نسب المشاهدة ولكن ليس بوضع عنق المجتمع في يد منتجين متلاعبين أو وكيل اعلانات بعيد كل البعد عن عادات المجتمع وأخلاقه وتقاليده بل وبعيد حتى عن دينه وإدراك عظمة شهره الفضيل وحرمته. ان المطلوب ببساطة من تلك القنوات أن تضع بجانب أولوية الربح المادي أولوية أخرى هي ترسيخ القيم والأخلاق التي بدأت تتآكل بين الأجيال الجديدة وترسيخ صورة طيبة لمجتمعنا السعودي لدى كافة مشاهديهم في الوطن العربي بدلا من ايصال صورة سلبية عن رجاله ونسائه ومسؤوليه.. هذا المجتمع له حقوق على تلك القنوات وليس مجرد مصدر لدولارات المعلنين.
إن ما أتحدث عنه ليس مجرد انتقادات لا تقوم على أساس، فهناك أعداد لا حصر لها من الدراسات العلمية التي تؤكد حقيقة التأثير الكبير للتلفزيون على سلوك المجتمعات وعلى الصورة النمطية السائدة عنها، بل أني وفي نفس هذا اليوم قرأت تحقيقاً نشرته صحيفة The Michigan Daily عنوانه “الصورة النمطية في البرامج الكوميدية ضرر أم مرح؟” أشار إلى أن الناس عادة يتقبلون تلك البرامج الكوميدية لأنها تسليهم، ولكنها تؤثر فيهم بشكل تدريجي وتجعلهم دون إدراك منهم يصدقون الصفات التي يتم رسمها عن الشخصيات التي يتم تمثيل أدوارها.. البروفيسور لورانس هيرشفيلد ذكر في التحقيق بأن الصور النمطية تنمو بشكل أكثر خطورة عندما يتم بثها عبر وسائل الاعلام ذات الشعبية الكبيرة وأن تلك الصور النمطية يمكنها أن ترسخ صورة سلبية عن الأقليات أو عن مجموعات محددة من الناس في المجتمع. نائب رئيس قناة فوكس حاول الدفاع عن بعض مسلسلات قناته الكوميدية قائلا انها تتعمد المبالغة بتصوير بعض ممارسات الأقليات فقط للتسلية او حتى لجعل الناس يتجنبون العنصرية، وتم الرد عليه بأنه لا يجوز الاستهزاء المستمر بأقليات بعينها دون أخرى وتشويهها بحجة الضحك.
لقد استثمرت المملكة جهداً كبيراً ومبالغ طائلة من أجل بناء إعلام سعودي قوي ما كان لكثير من مؤسساته أن يكتب لها النجاح لولا الدعم الحكومي والشعبي.. والسؤال هو هل يمارس ذلك الإعلام اليوم دوراً إيجابيا بحق بلده ومجتمعه أم أنه بدلا من ذلك يسيء له داخلياً وخارجياً؟.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store