Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

لنجعل العالم يرى غزة بأعيننا

كم جعلتني الحرب على غزة أتوق إلى إخراج جميع كتب الإعلام التي درستها في الجامعات الأمريكية وتمزيق كافة صفحاتها التي تتحدث عن أخلاقيات الإعلام ومبادئه طالما أنها فشلت فشلاً ذريعاً في إحداث أي أثر يذكر ف

A A
كم جعلتني الحرب على غزة أتوق إلى إخراج جميع كتب الإعلام التي درستها في الجامعات الأمريكية وتمزيق كافة صفحاتها التي تتحدث عن أخلاقيات الإعلام ومبادئه طالما أنها فشلت فشلاً ذريعاً في إحداث أي أثر يذكر في ممارسات وأخلاق كثير من المؤسسات الاعلامية الأمريكية الكبرى. صحيح أن انحياز الاعلام الغربي لإسرائيل ليس جديداً، ولكنه أثناء هذه الحرب البشعة غير المتكافئة تجاوز كل الحدود ليس فقط المهنية بل الإنسانية أيضاً. الجانب الوحيد المضيء هنا والذي يجعل الأمر مختلفاً بعض الشيء هو في قيام الإعلام الجديد -وبشكل غير مسبوق- بفضح ذلك الانحياز غير الأخلاقي الذي مارسته وسائل إعلام تقليدية أمريكية شهيرة لدرجة أجبر بعضها على التراجع والاعتذار عن مواقفها.
أحد أمثلة ذلك الانحياز الصارخة قامت به دايان سوير مذيعة قناة ABC في اعقاب سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى الفلسطينيين جراء القصف الإسرائيلي، حيث وصفت الدمار الكبير الذي أحدثه ذلك القصف على أنه ناتج عن الصواريخ الفلسطينية على إسرائيل وليس العكس. وبشكل عاطفي مؤثر واصلت المذيعة وصفها للمنظر قائلة “الصواريخ تنهمر كالمطر على اسرائيل بينما يحاول الاسرائيليون اسقاطها وهي في السماء”، ثم قامت بالاشارة إلى صورة أفراد عائلة فلسطينية يجمعون ما تبقى من أغراضهم من بين أنقاض منزلهم الذي دمره القصف الإسرائيلي على أنهم ضحايا اسرائيليون، كما وصفت بحزن منظر امرأة فلسطينية تقف بجوار ركام منزلها بشكل يوحي لمشاهدي القناة أنها امرأة اسرائيلية.
ورغم أن المذيعة قامت -بعد سيل من الانتقادات على تويتر- بالاعتذار عبر تغريدة تصف ماحدث بأنه خطأ ووعدت بتصحيحه في النشرة الإخبارية التالية -وأنا لا أشكك في صدقها- إلا أننا في المقابل نعرف يقيناً أن المذيعة وقناة ABC ما كانت ستتحدث بهذه العاطفة عن الضحايا لو عرفت من البداية أنهم فلسطينيون، وما كانت ستصف بؤسهم ولا انهمار القذائف على رؤوسهم لأن المطلوب دوما بالنسبة لها هو أن يرى العالم اسرائيل دولة مظلومة تريد العيش بسلام وحماية نفسها وشعبها من المعتدين الفلسطينيين. ان الاعتذار الحقيقي المطلوب من قناة ABC لايكون عبر تغريدة على تويتر أو اعتذار جاف تكتبه القناة ولكن عبر الالتزام بالحياد ومراعاة أخلاقيات ومهنية العمل الاعلامي الرافض للانحياز لطرف ضد طرف آخر.
حالة أخرى قامت بها قناة CNN والتي كانت مراسلتها تقوم بنقل تقرير مباشر عن الهجوم البري الإسرائيلي على غزة. المراسلة كانت تنقل الحدث من تلة مرتفعة جنوب إسرائيل، وأثناء حديثها كان يمكن سماع أصوات مجموعة من الاسرائيليين يصرخون مبتهجين بمنظر سقوط قذائف الموت على غزة، بينما وصفت هي ذلك بأنه منظر فظيع وبشع. بعدها كتبت على صفحتها في تويتر قائلة “بينما القذائف الإسرائيلية تتساقط على غزة، يقوم الإسرائيليون بتهديدي بتحطيم سيارتي لو قلت كلمة واحدة خاطئة.. حثالة”. ورغم أنها قامت بسرعة بمسح هذه التغريدة، إلا أن مئات الأشخاص كانوا قد تناقلوها عبر إعادة التغريد. قناة CNN عاقبت المراسلة بنقلها إلى موسكو لوصفها المجموعة الإسرائيلية بالحثالة. ما حدث يثير تساؤلات حول الضغوط التي يتعرض لها الصحفيون سواء من قبل الإسرائيليين أو من قبل مؤسساتهم الإعلامية، وهي ضغوط تحول بالتأكيد دون تمكنهم من نقل الأحداث بموضوعية، كما أنها من ناحية أخرى تدل على مدى حرص القنوات الاخبارية الأمريكية على ارضاء الإسرائيليين وعدم إغضابهم ولو بكلمة قالتها مراسلة لهم لم تجانب الصواب. هذا الحرص يمكن رؤية نتائجه في الانحياز الصارخ في تغطية تلك القنوات بشكل عام للقضية الفلسطينية.
عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة حتى الآن تجاوز ٥٠٠ شهيد و٣١٥٠ جريحاً ، وما تم تناقله على شبكات التواصل الاجتماعي من قتل ودمار خلال أيام معدودة يفوق كل ما نشره الإعلام التقليدي المنحاز على مدى عقود طويلة مضت، وبتأثير عالمي غير مسبوق.. فهل تجعلنا هذه التجربة نضع خلافاتنا جانباً ونستفيد بشكل منظم من ذلك الإعلام الجديد في جعل العالم يرى قضيتنا العادلة بأعيننا وليس بعين الإعلام الغربي الظالم؟
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store