Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الدهليز !

مدينة دبي في كل الأوقات كعادتها ممطرة بالزوار.. ساقتني قدماي إلى مطعم احتفظ باسم مفردات تراثنا «الدهليز»، ومفردة الدهليز في التراث الإماراتي هو مكان الضيافة أو مستودع المؤن..

A A
مدينة دبي في كل الأوقات كعادتها ممطرة بالزوار.. ساقتني قدماي إلى مطعم احتفظ باسم مفردات تراثنا «الدهليز»، ومفردة الدهليز في التراث الإماراتي هو مكان الضيافة أو مستودع المؤن.. وفي اللغة العربية الرواق أو الردهة.
كنت أبحث عن سلام جديد في زماني وكان الزمان معي.. رحب بي رجل تختلج على شفتيه ابتسامة ممتنة راضيةً مرضيةً، اكتشفت إنه يمتلك المطعم وهو من أبناء الإمارات الشقيقة.
اقترح عليّ أن أتناول الأكل التراثي كتجربة فوافقت على اقتراحه ممتنة، كان المطعم يزينه التراث الإماراتي الذي يعكس هوية الإمارات العربية.
المطعم يعج بالمهاجرين الذين لا يعيشون في أوطانهم ولكن أوطانهم تعيش فيهم تلاحقهم مثل ظلّهم يعيشون في عالم الغربة بكل معانيها يحنون إلى عالم أفل يتمنون العودة إليه، يسهرون حول مائدة الحياة يتقاسمون الغياب والغربة مع بعضهم ويرددون بداخلهم قصيدة علي محمود طه «أخي جاوز الظالمون المدى».
كانت الفنانة أحلام تغني للحبيب وتوعده بالويل والثبور وعظائم الأمور على الشاشة الممتدة بعرض الحائط دونما اكتراث لما يحدث على شاشة الحياة، حيث الموت يرقص رقصته ويمتد الحريق من أقصى حدود الروح حتى أدنى محيط الدم..
القنوات الفضائية تبذل جهدًا واضحًا لإعداد تقرير عن الموت في العالم العربي، تحاول استضافة ومحاورة أكبر عدد من المثقفين والسياسيين وعلماء الجغرافيا والنفس، أما مرتادو المطعم فكل زبون يحكي حكاية ضاعت في «وله بلا مدد» قال أحدهم لابد من إيقاف هذيان إسرائيل فقد تجاوزت حدها!!.
كهل في نهاية المطعم اتخذ ركنًا لوحده يبحلق في فنجان الشاهي الذي أمامه يتحدث بصوت كمزمار مشروخ قال إنه ضياع محتمل فلم نعد نعرف ما هو مصير فلسطين! آخر في متوسط العمر تقرأ في وجهه غمرة الألم الذي مررنا به يغرس نظرته في سقف المطعم وعلى وجهه اليأس قال بزفرة: نار الحرب على غزة ستغسل الدنيا من الفساد والآثام وبسبب ما جنت أيدينا.
إحدى الفتيات في أجمل أيام ربيع عمرها جاء صوتها حزينًا جارحًا مجروحًا قالت صارت إسرائيل تضرب ذات اليمين وذات الشمال لإيقاف الصواريخ بسفك دماء أهل غزة، وثكل نسائها، وتمزيق قلوب أمهاتها وقتل أطفالها، وهدم المدارس على رؤوسهم، والمستشفيات على جرحاهم.
آخر يربط شعره برابط وتسدل بعض الشعيرات على عينه يمسك بالجوال يتفحص الرسائل الواردة والصادرة يستمتع بزفرات نرجيلة وينفث الدخان علق بحزن لا يهمني الأمر فلم أعد هناك ولن أكون هناك فقد ضاع الحلم الكبير.
كانت الكلمات تقطر حزنًا وكأن الجميع ينظرون إلى أفق مغلق بعيد، كان واضحًا ضياع أحلام الغد في دهاليز الدنيا التي لا تأتي بل تمضي مع كل إشراقة ضوء النهار.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store