Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

شهادات الاعتماد الأكاديمي: أهي غاية أم وسيلة؟ 2/2

لقد بدأت الحديث في مقالي السابق عن شهادات الاعتماد في المجال التجاري، وكيف أنها أصبحت غاية، الهدف منها إما التفاخر وإما خداع العميل، وإغفال كونها وسيلة يتوصل بها إلى تحقيق الجودة.

A A
لقد بدأت الحديث في مقالي السابق عن شهادات الاعتماد في المجال التجاري، وكيف أنها أصبحت غاية، الهدف منها إما التفاخر وإما خداع العميل، وإغفال كونها وسيلة يتوصل بها إلى تحقيق الجودة.وإنّ أخوف ما أخافه أن ينسحب ذلك الخداع بشهادات الاعتماد وتمتد تلك العدوى إلى المجال التعليمي، حينها سيكون البلاء أشد فتكاً، وأعظم وطأة، لأن الخسارة ليست في أمور مادية، ومنتجات استهلاكية، بل هي خسارة في الفكر والعقل، وبناء الفرد.فلا أعتقد أن هناك عاقلاً لا يتوق لتطوير التعليم في الرؤى والأهداف والرفع من مستوى الطالب والاستاذ، وتجديد المناهج، وطرق التدريس، وآليات وتقنيات التعليم، بما يتلاءم مع الثورة النهضوية التي يعيشها عالمنا اليوم، شريطة أن تنبثق من ثوابتنا، وأن يعمل هذا التجديد على تأصيل هويتنا. لأننا إذا لم نواكب ونساير متطلبات هذا العصر، فإننا سنكون كالنغمة النشاز في اللحن الطَرِب وفوق هذا لن نسلم من لعنة أجيالنا القادمة التي ستجد نفسها بعيداً عن الركب مع عجزها عن اللحاق به.فشيء جميل ورائع أن نرى جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية تتاسبق لتحقيق الجودة الشاملة للوصول إلى الاعتماد الاكاديمي، لكن الأجمل ان يكون هذا التسابق ميدانيا، لا أن نملأ به الأوراق والملفات، والأروع أن يكون هذا التطوير نابعاً من ذواتنا لا من أجل الحصول على شهادات عالمية يدندن بها الإعلام.وأجمل من الجميل أن لا نرهق ميزانية الجامعات بالدورات والندوات حتى إذا حان وقت التطبيق، نجد الخزينة خاوية الوفاض، والوقت قد وصلت روحه الحلقوم، فنقع في ضائقة زمنية لا تمكننا من تنفيذ ما خطته الأقلام وامتلأت به الصحف. وأروع من الرائع أن يكون التجديد في المناهج تجديداً فعلياً لا تجديداً شكلياً، وهذا يتطلب وقتاً وجهداً وفكرا مستنيرا وأني لأناشد الهيئة الوطنية للجودة والاعتماد الأكاديمي أن تؤكد على النقاط التالية:1- التوجه نحو الكيف لا الكم بمعنى البعد عن كثرة المواد وتعدادها ما يترتب عليه تخفيض الساعات المعتمدة، وهذا معناه أننا مازلنا في ذات الاتجاه التقليدي الذي يستمتع بتشريح المواد وتجزئتها على حساب جودة المحتوى.2- الاهتمام بالنواحي التطبيقية والتدريبية في المواد النظرية وألا تقبل أي مادة إن لم يكن جزء منها تدريبيا. أمَّا الاكتفاء بالأمثلة التدريبية أثناء الشرح فقط، فهو برهان على أننا لم نفقه بعد معنى التجديد والتطوير، وأن أغلال التقليد تحيط بأعناقنا.3- التأكيد على تلمس خطى الجامعات البحثية التي تهدف إلى تعليم الطالب أسس البحث العلمي ومناهجه وتدريبه عليها، وجعلها نهجاً متبعاً في دراسته، حتى يكتسب مهارة البحث والتنقيب عن المعلومة، ويصل إليها بنفسه، عوضاً عن طريقة التلقين وحشو الأذهان.. وذلك بالإكثار من مواد البحث العلمي ومشروعاته النظرية والتطبيقية من بداية الدراسة وحتى مشروع التخرج، إذ لا تكفي مادة أو مادتان بساعات مجتزأة.4- ضرورة التوازن بين فروع القسم بحيث لا يطغى فرع على آخر، بحجة أن ذاك الفرع الأهم، أو أن مواده أكثر، أو أن تقديم هذا الفرع هو نهج الأولين، أو لغلبة أعضاء القسم فيه، فتغلب الكثرة الشجاعة، أو رفع حق الفيتو الذي يتمتع به بعض من لهم علاقة بهيئات أو لجان التطوير، غافلين عن أن التعصب والإعلاء من بعض الفروع والتقليل من أهمية البعض الآخر، سيؤدي حتماً إلى خلل في خطط التنمية المستقبلية، من حيث حدوث فائض في بعض التخصصات ونقص حاد في التخصصات والفروع التي أهملت. والله من وراء القصد.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store