Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

المملكة وغدر ذوي القربى!

رغم الانحياز الأمريكي الصارخ للجانب الإسرائيلي طوال العقود الماضية، إلا أني كنت غالباً ما أميل إلى لوم العرب إيماناً مني بأن مشكلة العرب الأساسية تنبع من أنفسهم ومن تخاذلهم وإصرارهم على التشرذم وعدم ا

A A
رغم الانحياز الأمريكي الصارخ للجانب الإسرائيلي طوال العقود الماضية، إلا أني كنت غالباً ما أميل إلى لوم العرب إيماناً مني بأن مشكلة العرب الأساسية تنبع من أنفسهم ومن تخاذلهم وإصرارهم على التشرذم وعدم استغلال مناجم القوة التي يمتلكونها، أما أمريكا فهي دولة نعلم جميعاً أنها فقدت قرارها الذي أصبح بيد قوى المال والإعلام اليهودية التي تحركه كما تشاء، واستمرار لومنا لها لن يزيدنا إلا ضعفاً بعد أن تحول إلى «شماعة» نحملها كل تقصيرنا وإخفاقنا.
لقد كنت طويلاً أؤمن بأن أمريكا هي دولة تبحث عن مصالحها -كما تراها- وأن على العرب أن يبحثوا بدورهم عن مصالحهم والتي لا يمكن أن تتحقق بقمعهم لشعوبهم وتآمرهم على بعضهم وإهدارهم لمواردهم على كل صغائر الأمور البعيدة كل البعد عن متطلبات التمكين من تعليم واقتصاد ودفاع، امتثالاً لقوله تعالى «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل».
اليوم وبعد أن وصل العرب إلى قاع الحضيض من ناحية، وتجاوزت أمريكا من ناحية أخرى كل تبريرات البحث المشروع عن المصالح، لتصبح دولة تمارس على الأرض العربية نقيض كل ما عرف عنها من مبادئ العدالة والإنسانية والحرية.. بعد كل ذلك كان لابد أن تتغير كثير من القناعات ليس فقط تجاه أمريكا ولكن تجاه العرب والعروبة قبل ذلك.
إنني اليوم أشعر ليس فقط بالاندهاش ولكن بالصدمة.. أشعر بالصدمة كيف ولماذا بدأت أمريكا تفقد أهم مقومات عظمتها، ولا أقصد بذلك القوة العسكرية ولا الاقتصادية بل الحكمة والعدالة والإنسانية. فبعد أن كانت مشكلتنا مع أمريكا تنحصر في دعمهم للاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين أصبحت أمريكا طرفاً رئيسياً في أنهار الدم التي تجري في العالم العربي من غزة إلى سوريا وليبيا والعراق واليمن وغيرها.. فحين ترد أمريكا على قتل إسرائيل لأكثر من 19٠٠ فلسطيني معظمهم من المدنيين والأطفال بالإعلان عن تزويد إسرائيل بمزيد من الأسلحة خلافاً للدعم السياسي والتزوير الإعلامي، وحين تكون أمريكا حاملاً للواء «الفوضى الهدامة» التي أودت بحياة عشرات الآلاف وأعادت دولاً عربية خمسين عاماً للوراء، وحين تستمر أمريكا بصناعة الوحوش وتغذيتها أو غض الطرف عن صناعتها كما حدث مع طالبان والقاعدة ثم الإخوان والحوثيين وداعش.. عندما تفعل أمريكا كل ذلك فإنها ودون أدنى شك تكون أكبر المسؤولين عن انتشار الارهاب وصناعة أجيال جديدة يائسة لا تعرف بل لا تملك سوى الحقد والكراهية للغرب. أذكر يوماً أن العرب كانوا منقسمين على أنفسهم حيال أمريكا، فطرف يكرهها لأسباب عقائدية وقومية وطرف آخر يبجلها باعتبارها مركز العلم والحريات وحقوق الإنسان.. أما اليوم فقد تسببت السياسة الامريكية بخسارتها لمعظم أصدقائها حيث زادت كراهية الكارهين لها، وتحول تبجيل مبجليها إلى عدم احترام وحيرة لضياع المبادئ الجميلة التي كانت تحمل شعلتها.. حتى الدول الحليفة لها فقدوا ثقتهم بها وهم يرونها تعمل بلؤم في الخفاء ضد مصالحهم، وترتمي في أحضان ايران والإخوان، وتتبع سياسات خاطئة في المنطقة لا تحقق حتى مصالح أمريكا نفسها.
وكما أني اليوم أشعر بالصدمة من أمريكا ومواقفها، فإن صدمتي بالعرب والعروبة بلغت أقصاها لرؤية قادة عرب يؤثرون احراق دولهم وقتل شعوبهم تمسكاً بكراسي الحكم، ورؤيتي لآخرين يتآمرون على أقرب أشقائهم وينفقون المليارات لإشعال نيران الثورات في دول عربية آمنة ومستقرة دون أن تكون لهم أي مصلحة في ذلك سوى النوم في أحضان الأعداء وتنفيذ أجنداتهم الهادفة لتفتيت المنطقة والتي لم تعد سراً يخفى على أحد، غير مدركين أن تلك الأحضان ستلفظهم عراة حال انتهاء دورهم ولن يبقى لهم احد سوى إخوانهم وأشقائهم ممن امعنوا في الاساءة لهم.
حقائق مرة.. دولٌ عربية تمزقت واحترقت، وأنهار الدماء التي سالت لم ترو بعد عطش مشعلي الفتن وأدواتهم في المنطقة، وأصبح خطر الصديق و“ذي القربي” أشد مضاضة وإيلاماً، وما عاد هناك بديل سوى الحذر، وتعزيز التلاحم الداخلي، وضرب المتآمرين بكل قوة، وإعادة بناء تحالفات تحقق لنا مصالحنا وأمننا واستقرارنا.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store